مشروعه وسيأتي بيان الهدف بعد ذكر وسائله إليه.
الوسائل:
أول وسائله نقد الكُتاب الإسلاميين الذين ليست لهم صلة بالمدارس الغربية في
الفكر، والذين ليس لهم إلمام بعلوم اللسانيات والاجتماع والنفس والنظريات التي
خرجت - فيما يرى - بعد الخمسينات من هذا القرن الميلادي، وبالتالي يطالبهم
بالمشاركة والدراسة لمستجدات النظريات الإنسانية الغربية، ثم هو يستخدم نظريات
ميشيل فوكوه في مسائل المعرفة والسلطة، ويرى تاريخية المعرفة وبكوْنها قابلة
للتغيير والتطوير والشمول، وأهم جوانب المعرفة التي يتحدث عنها المعرفة الدينية
بكل أبعادها، ويرى اعتبار المعرفة الإسلامية نموذجاً أسطورياً لابد أن يخضع
للدراسة والنقاش - كما سيأتي - ويرى المجاهرة باعتبار العلوم الإسلامية سياقاً
معرفياً أسطورياً يزعج المسلمين ويهز إيمانهم، ولكن لابد - كما يرى - من بناء
مفاهيم جديدة مستمدة من الاحتياجات الجديدة كما فعل السلف، ويرى أن هناك
مناطق عديدة في الفكر الإسلامي لا تمس ولا يفكر فيها مثل مسألة عثمان - رضي
الله عنه - وقضايا جمع القرآن، والتسليم بصحة أحاديث البخاري والموافقة على
الأصول التي بناها الشافعي، ويرى أنه يضع أساساً للاجتهاد وعقلانية جديدة [5]،
وهو يرى أن الوعي الإسلامي قد انشق فيما بين السنة والشيعة، والوسيلة عنده
ليست بالتوفيق بين الجانبين ولا الانتقاء منهما إنما الوسيلة نقد الطرفين وهو يعتنق
(النقدية الجذرية) للطرفين وإسقاط كل الحجج التي بأيدي الجميع، وبالتالي فإن
النص السني مغلوط ومزور والنص الشيعي نص العدالة والعصمة مغلوط ومزور
وأسطوري، والمطلوب أن يتحرر كل من الفريقين من نصه فيتوحدان [6].
الأهداف:
من أهم ما يهدف له أركون في كتاباته المكررة والمملة نزع الثقة من القرآن
الكريم وقداسته واعتباره نصاً أسطورياً [7] قابلاً للدراسة والأخذ والرد. وهو يغالط
كثيراً في معنى كلمة (أسطورة) ويقول: إنه يعاني من صعوبة هذه الكلمة على
أسماع العرب الذين يربطون بين هذه الكلمة وبين الأكذوبة أو الخرافة، لكن ما هي
الكلمة التي يستخدمها أركون في تعبيره عن القرآن باللغة الفرنسية التي يكتب كل
كتبه بها.
إنه استخدم كلمة Mythe وبالإنجليزية Myth وكلتا الكلمتين تعني
الخرافة أو الحكاية والكلمتان جاءتا من الكلمة الإغريقية Muthos وهي تعني
في جميع اللغات الأوربية حكاية خرافية شعبية تتحدث عن كائنات تجسد - بصورة
رمزية - قوى الطبيعة والوضع الإنساني [8].
ثم إذا سلم بهذه الأسطورة - بزعمه - فإنها أولاً لم تصلنا بسند مقطوع
الصحة؛ لأن القرآن -كما يقول - لم يُكتب كله في حياة الرسول - صلى الله عليه
وسلم - بل كُتب بعض الآيات ثم استكمل العمل في كتابة القرآن فيما بعد [9] وهذه
من المغالطات التي يسوقها أركون بكل سهولة ويخلط فيها ما بين قضية الجمع
وقضية الكتابة، وبزعم أن الظروف السياسية هي التي جعلت المسلمين يحافظون
فقط على قرآن واحد ويتركون ما عداه [10].
ومن أجل أن يمهد لما يريد من إنكار القرآن سنداً في أول الأمر يدخل بعد ذلك
إلى نصوص القرآن فيشكك في القصص والأخبار ويرى أن التاريخ الواقعي
المحسوس هو الذي يحاكَم إليه القرآن، فالأخبار والآثار التاريخية هي الموثوقة!
ولنقرأ له هذا النص الذي يجد القارئ في كتبه كثيراً مثله يقول:
(ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات
التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي
المحسوس) [11].
ويرى أن القرآن عمل أدبي لم يدرس كما يجب إلا من قِبَل ندرة أهمهم عنده
(محمد أحمد خلف الله) عندما كتب عن القصص الفني في القرآن وقال إن
القصة القرآنية مفتعلة، ويتحسر على عدم استمرار (خلف الله) ويذكر أن
الأسباب التي لم تمكن (خلف الله) في عمله أنه راعى الموقف الإسلامي
الإيماني أولاً، وثانياً: لنقص المعلومات. إذن فقد آل الأمر إلى أركون الذي
سيهاجم القرآن؛ لأنه لا يراعي الموقف الإسلامي الإيماني لأنه مطلع على الأبحاث
الجارية. ومع زعمه أنه يعرف الأبحاث الجارية التي كتبها فوكوه والحاخام دريدا؛
فإنه يظهر للقارئ بشكل يجعله لا يثق في قدرة أركون ولا أنه فهم ما زعم فهمه
¥