... ويتّفقُ لهم ذلك اتفاقاً في بعض الأحايين لا أن يجعلوه دأباً وديدناً حتى يتركوا لأجله الأوراد، وقد نُقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في كتاب آداب القضاء .. وضعته الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن.
ثمّ يتابع السهروردي فيقول: .. وإن أنصف المنصف وتفكّر في اجتماع أهل الزمان وقعود المغنّي بدفّه، والمشبب بشبّابته وتصوّرَ في نفسه هل وقع مثل هذا الجلوس والهيئة بحضرته صلى الله عليه وسلم؟ وهل استحضروا قوّالاً وقعدوا مجتمعين لاستماعه؟ لا شكَّ بأن يُنكر ذلك من حاله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولو كان في ذلك فضيلة تُطلب ما أهملوها.
وكثيراً ما يغلط الناس في هذا كلّما احتُجَّ عليهم بالسلف الماضين، يحتجُّ بالمتأخّرين! فكان السلف أقرب عهداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديُهم أشبه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثمّ ذَكَرَ عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن جدّته أسماء وعن ابن عمر في الإنكار على من يتساقط عند قراءة القرآن، وكذا عن ابن سيرين في الإنكار على مثلهم .... فقد تعيّنَ على طائفة الصوفيّة الاجتناب عن مثل هذه الاجتماعات واتقاء مواضع التهم فهذه الآثار دلّت على اجتناب السماع وأخذ الحذر منه. انتهى كلام السهروردي ملخصاً من كتاب " اتحاف السادة المتّقين بشرح إحياء علوم الدين " للزبيدي ج6/ 457ـ458
2ـ وقال البدر ابن جماعة، في جواب فتوى رُفِعَت إليه في السماع فقال: هذه مسألة خلافيّة .... فلنقتصر على حكاية المذاهب الأربعة: فأمّا أبو حنيفة رحمه الله فمذهبُه فيه أشدُّ المذاهب، وقوله فيه أغلظُ الأقوال، وقد صرَّح أصحابُه بأنّ استماعه فسقٌ، والتلذّذَ به كُفْرٌ، وليس بعد الكفر غاية. وأمّا مالك رحمه الله فإنه لمّا سُئلَ عنه قال: إنّما يفعله عندنا الفسّاق، وفي كتُبِ أصحابه إذا اشترى جاريةً فوجدها مغنّية فله أن يردّها بالعيب. وأمّا أحمد بن حنبل رحمه الله فإنّ ابنه عبد الله سأَلَهُ عنه فقال: يا بنيّ الغناءُ يُنبِتُ النفاقَ في القلب، ثم ذكَرَ قولَ مالك إنما يفعله عندنا الفساق. وأمّا الشافعي رحمه الله فقد قال في كتاب القضاء: إن الغناء لهوٌ مكروه يُشبِه الباطل؛ وقال لأصحابه بمصر:خلَّفتُ ببغداد شيئاً أحدَثَتْهُ الزنادقة يُسمّونه التغبير، يصدّون به الناس عن القرآن.
فإن كان قوله في التّغْبير ـ وهو عبارة عن شعرٍ مُزَهِّدٍ في الدنيا إذا غنّى المغني به ضَرَبَ الحاضرون بقُضُبٍ على نِطع أو مخدّة ضرْباً موافقاً للأوزان الشعريّة ـ فَلَيْتَ شِعْري ماذا يقول في السماع الواقع في زماننا؟ فمن قال بإباحة هذا النوع فقد أحدَثَ في دين الله ما ليس منه. انتهى كلام ابن جماعة
باختصار من اتحاف السادة المتّقين للزبيدي 6/ 458
2ـ وقال الجنيد رحمه الله:
" رأيتُ إبليس في النوم فقلتُ له هل تظْفُر منْ أصحابنا بشيء أو تنال منهم نصيباً؟
فقال إنه ليعسر عليَّ شأنهم ويعظم عليَّ أنْ أُصيبَ منهم شيئاً إلا في وقتين، وقتِ السماع، و عند النظر فإني أنال منهم فتنة وأدخُلُ عليهم به ".
3ـ وسُئل أبو علي الروذباري عن السماع، وكان من شيوخ الصوفيّة، فقال: ليتنا تخلّصنا منه رأساً برأس.
4ـ وقال الجُنيد: إذا رأيتَ المُريد يحبُّ السماع فاعلم أنّ فيه بقيّةً من البطالة.
5ـ وقال أبو الحارث الأولاسي، وكان من الصوفية، رأيتُ إبليس في المنام وكان على بعض السطوح في " أولاس " وعن يمينه جماعة وعن يساره جماعة وعليهم ثيابٌ نظيفة فقال لطائفة منهم قوموا وغنّوا فقاموا وغنّوا، فاستفزعني طيبه حتى هممتُ أن أطرحَ نفسي من السطح، ثمّ قال ارقصوا فرقصوا بأطيبَ ما يكون، ثمّ قال: يا أبا الحارث ما أُصيبُ شيئاً أدخلُ به عليكم إلا هذا.
6ـ وقال الجريري: رأيتُ الجنيد رحمه الله في النوم فقلتُ كيف حالك يا أبا القاسم؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وبادت تلك العبارات، وما نفعنا إلا تسبيحات كنّا نقولها بالغدوات. انتهى المدخل لابن الحاج 3/ 109.
¥