فصلٌ في الملاهي: وهي على ثلاثة أَضْرُبٍ؛ محرّم ..... و ضربٌ مباح وهو الدُّف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف)) أخرجه مسلم وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعي أنه مكروه في غير النكاح لأنه يُروى عن عمر ((أنه كان إذا سمع الدف بعث فنظر فإن كان في وليمة سكت وإن كان في غيرها عمد بالدِّرَّة)) [4] وأمّا الضرب به (أي بالدف) للرجال فمكروه على كل حال لأنه إنما كان يَضْرِبُ به النساء والمخنثون المتشبهون بهن ففي ضرب الرجال تشبه بالنساء وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء. انتهى
ـ وقد سُئل الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:
ما تقول السادة الفقهاء - أحسن الله توفيقهم - فيمن يسمع الدف والشبابة والغناء ويتواجد، حتى إنه يرقص. هل يحل ذلك أم لا؟ مع اعتقاده أنه محب لله، وأن سماعه وتواجده ورقصه في الله؟. وفي أي حال يحل الضرب بالدف؟ هل هو مطلق؟ أو في حالة مخصوصة؟. وهل يحل سماع الشعر بالألحان في الأماكن الشريفة، مثل المساجد وغيرها؟
فقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: إن فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع، غير مقبول القول، ومقتضى هذا: أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شهادته برؤية هلال رمضان، ولا أخباره الدينية.
وأما اعتقاده محبة الله عز وجل، فإنه يمكن أن يكون محباً لله سبحانه، مطيعاً له في غير هذا، ويجوز أن يكون له معاملة مع الله سبحانه، وأعمال صالحة في غير هذا المقام. وأمّا هذا فمعصية ولعب، ذمّهُ الله تعالى ورسوله، وكرِهَهُ أهلُ العلم، وسّموه: بدعة، ونهوا عن فعله، ولا يُتقرب إلى الله سبحانه بمعاصيه، ولا يُطاع بارتكاب مناهيه، ومن جعل وسيلته إلى الله سبحانه معصيته، كان حظه الطرد والإبعاد، ومن اتخذ اللهو واللعب ديناً، كان كمن سعى في الأرض فساداً، ومن طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد من الوصول إلى المراد.
وقد روى أبو بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول: " التغبير محدث " ـ ومنه قوم يغبّرون بذكر الله، أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها ـ.
وقال أبو الحارث: سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت: إنه تَرِقُّ عليه القلوب. فقال: " هو بدعة " وروى غيره أنه كرهه، ونهى عن إسماعه.
وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: " تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير، أحدثته الزنادقة، يصدون الناس به عن القرآن ".
وقال يزيد بن هارون: " ما يُغَبِّر إلا فاسق، ومتى كان التغبير؟ ". وقال عبد الله بن داود: " أرى أن يُضْرب صاحب التغبير ". والتغبيرُ: اسم لهذا السماع، وقد كرهه الأئمة كما ترى. ولم ينضم إليه هذه المكروهات من الدفوف والشبابات، فكيف به إذا انضمت إليه واتخذوه ديناً؟ فما أشبههم بالذين عابهم الله تعالى بقوله:
{وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية} قيل المُكاء التصفير، والتصدية: التصفيق. وقال الله سبحانه لنبيه: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا}.
فأما تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً: فإن هذه جميعها من اللعب، فمن جعلها دأبه، أو اشتهر بفعلها أو استماعها، أو قصدها في مواضعها، أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة، وكذلك الرقّاص.انتهى
· خامساً مذهب الصوفيّة
1ـ فقد عقد الشهاب السهروردي في " العوارف " أبواباً في حكم السماع منها الباب الثالث والعشرون في القولِ فيه رداً وإنكاراً قال فيه: " .... وحيث كثُرت الفتنة بطريقِه وزالت العصمة فيه وتصدى للحرص عليه أقوامٌ قلَّت أعمالهم وانفسدت أحوالهم وأكثروا الاجتماع للسماع ..... وتكون الرّغبة في الاجتماع طلباً لتناول الشهوة واسترواحاً إلى الطرب واللهو والعشرة، ولا يخفى أنّ هذا الاجتماع مردودٌ عند أهل الصدق.
¥