كان جائزا لفعلوه، أولدلهم عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فتأخير البيان عن وقت بيان الحاجة لا يجوز كما في علم الأصول.
6 ـ جاءعن ابن عمر بإسناد صحيح النهي عن الرمي قبل الزوال صريحا
فيما أخرجه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: ـ
" لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس "
7 ـ قال البابرتي: ـ
" وجه الظاهر ما قدمناه من وجوب اتباع المنقول لعدم المعقولية، ولم يظهر أثر تخفيف فيها بتجويز الترك لينفتح باب التخفيف بالتقديم، وهذه الزيادة يحتاج إليها أبو حنيفة وحده "
ومقصوده بعدم ظهور أثر التخفيف، أنه ليس كاليوم الثالث الذي يجوز ترك الرمي فيه تبعا لترك المبيت، فينفتح بهذا الترك باب التخفيف بالرمي قبل الزوال، وهذا عند أبي حنيفة ولذلك قال: ـ " وهذه الزيادة يحتاج إليها أبو حنيفة وحده " وهذا لأنه يقول بجواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر عموماً، سواء كان النفر الأول أوالثاني، كما سيأتي بيانه، والمقصود به (وحده) أي في المذهب، وإلا فالموافقون له كُثرُ كما سيأتي.
الرأي الثاني في اليوم الأول: ـ
وهو جواز الرمي قبل الزوال في هذا اليوم، وممن قال بهذا: ـ
1 ـ أبو حنيفة: ـ في غير المشهور من ظاهر الرواية، والرمي بعد الزوال عنده أفضل.
قال الكاساني: ـ
" وروي عن أبي حنيفة، أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز "
والمقصود بالثاني والثالث، بعد يوم النحر، وهو الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، إن لم ينفر، فإن نفر في اليوم الثاني عشر، ففي المسألة تفصيل يأتي.
فغير ظاهر الرواية كما نري أقل رتبة في المذهب، لأنها ليست على شرط ظاهر الرواية، فكان ظاهر الرواية مقدما عليها بلا شك لتواتره أو شهرته، وهذا هوالمعتمد مذهباً عندهم.
وقال الكمال ابن الهمام: ـ
" قوله: في المشهور من الرواية، احتراز عما روي عن أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ قال: ـ " أحب إلي ألا يرمي في اليوم الثاني والثالث حتى تزول الشمس فإن رمى قبله أجزأه"
وقال ابن عابدين: ـ
" قال في اللباب: ـ وقت رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني والثالث ـ يعني الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة ـ من أيام النحر بعد الزوال، فلا يجوز قبله في المشهور، وقيل: يجوز "
فهذه النقول من البدائع، وفتح القدير، ورد المحتار، تبين أن خلاف المشهور من ظاهر الرواية، هو القول بجواز الرمي قبل الزوال، ولكن تأخيره إلي ما بعد الزوال أفضل، في حق اليوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، نفر فيه أم لم ينفر.
ولكن ورد في بعض كتب الحنفية، ما يفيد بأن غير ظاهر الرواية، يختص باليوم الثاني عشر إن أراد النفر فيه دون اليوم الحادي عشر ومنها كتاب العناية على الهداية للبابرتي،
قال البابرتي: ـ
" قوله من المشهور في الرواية احترازا عما روى الحسن عن أبي حنيفة، أنه إن كان قصده أن يتعجل في النفر الأول، فلا بأس بأن يرمي في اليوم الثالث ـ يعني من أيام النحر، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق ـ قبل الزوال، وذلك لدفع الحرج، لأنه إذا نفر بعد الزوال لا يصل إلي مكة إلا بالليل فيحرج في تحصيل موضع المنزل "
وهذا الذي ورد في الرواية غير المشهورة في العناية على الهداية للبابرتي، عده بعضهم رواية وسطا بين الرواية المشهورة والرواية غير المشهورة، وعلى هذا تكون الرويات الواردة عن أبي حنيفة في هذا اليوم ثلاث: ـ
1 ـ الرواية المشهورة، وهي عدم جواز الرمي قبل الزوال في الكل، وهي التي اعتمدوها مذهباً.
2 ـ الرواية غير المشهورة، على ما ذكره ابن عابدين والكاساني والكمال ابن الهمام، وهي جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، نفر أم لم ينفر.
3 ـ الرواية غير المشهورة، على ما نقله البابرتي من رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهو عدم الجواز في اليوم الحادي عشر، والجواز في اليوم الثاني عشر إن أراد النفر فيه متعجلا، وهذه هي الرواية الوسط بين الروايتين الأوليين.
¥