ومن السبل المثالية التي يمكن فيها دارسة تلك الأزمات والنوازل، على اختلاف مجالاتها سواء في ميدان الدعوة والتعامل مع غير المسلمين، أو في مجال الاقتصاد والمعاملات، أو السياسة أو الطب أو غيرها؛ البحوث العلمية، وذلك للمستوى العلمي الجيد للباحثين في تلك المستويات، وقدرتهم على التعامل مع المصادر والمراجع، مع النضح العقلي والإدارك، والتفرغ الكلي أو الجزئي في فترة إعداد البحث، فمع هذه المقومات كان يمكن أن تتوجه البحوث العلمية إلى ملامسة قضايا الأمة، والإبداع في دارستها وعرضها وإيجاد الحلول واستخلاص النتائج والأحكام.
إلا أن الواقع لا يتواءم مع هذه الأمنية، فمع وجود عدد من الدارسات الجادة المجددة التي تتسم بحيوية الموضوع، والعمق في بحثه ومعالجة كافة جوانبه، إلا أن الأغلب على تلك البحوث والرسائل العلمية أنها تخرج عن ذلك إما لقصور أصحابها، أو تقصيرهم أو لأسباب أخرى الله أعلم بها.
إن الأهم والأولى من تلك البحوث العلمية هو أن يعالج البحث حقيقة البحث، ويلامس شغافه، ويتوغل في أعماقه، بمعنى: أن يحتوي البحث على موضوع البحث أصلاً، وما ينبغي أن يكتب فيه مما يكون القارئ في أشد الحاجة والتلهف إليه، دون التزيد في النواحي الشكلية والأمور الفنية.
أقول هذا لأننا أصبحنا نرى كثيراً من البحوث العلمية في الآونة الأخيرة - وخاصة في مجال الدارسات الإسلامية والعربية - أصبحت تهتم بالصورة على حساب الحقيقة، بالمظهر على حساب الجوهر، فأصبحت ترى التوسع في أمور كثيرة - وهي مهمة بلا شك - فتؤثر على جوهر الموضوع وصلب البحث، وعلى سبيل المثال: التوسع في الاشتقاقات اللغوية، وتراجم الأعلام، والإطالة المفرطة في تخريج الأحاديث، التوطئات والتمهيدات، الفهارس الفنية والغلو في ذلك أحياناً .. وغيرها.
ولذلك كانت النتيجة أن أصبحت ترى عشرات بل مئات البحوث والرسائل العلمية مسندة على أرفف المكتبات المركزية في حالك الظلمات، وقد علاها الرهج الكثيف، لأن القراء لم يجدوا بغيتهم فيها على الرغم من أن الباحث الذي كتبها قد أمضى سنوات من نفيس عمره في تدبيج تلك الرسالة.
إن هذه الرسائل في الحقيقة قد استهلكت صفوة طلاب العلم بل أخذت من هؤلاء الصفوة صفوة أوقات حياتهم، ولم نجد لها الأثر في البناء العلمي، والتأصيل المنهجي الذي يتناسب مع ما تأخذه من وقت وجهد، بل أذهبت رونق العلم، وبهاءه وهيبته، حينما دخلت فيها بعض الشفاعات والوساطات والسرقات.
لذا فالحاجة ماسة إلى إعادة النظر في طريقة بناء أساتذة الجامعات وتأهيلهم علمياً وإتقان العلم الذي تخصصوا فيه، ويمكن إيجاد بدائل أخرى أكثر فائدة وعمقاً وبناءاً وتأصيلاً في كل فن بحسبه.
وحتى ما قبل ذلك في مرحلة البحث عن موضوع التي أصبحت بعبعا يؤرق الدارسين، أقول: يكتنف تلك المرحلة ما يكتنفها من أمور يقصر المقام عن ذكرها، فالغالب يتوجه إلى ما يسمى بالمشاريع العلمية التي تطرحها الأقسام، لأن الخطة جاهزة معدة، والموافقة مضمونة، والإجراءات الروتينية تمشي فيها سريعاً، وأما الموضوعات المبدعة المجددة، فيقدمها صاحبها في حماس متقد لكنه يواجه بتأخير، وطلب تقارير، ولجان وجلسات حتى ربما سحب نفسه وترك الموضوع برمته.
إن الموضوع – في ظني – جدير بالأهمية والبحث، وإن كان هذا المنهج قد أخذ من الغرب في علومهم فقد يناسب بعض العلوم دون بعض، ويجب على المسلم أن ينشد الحق ويتبعه حيثما كان.
ومن خلال هذا المنبر أردت أن أطرح هذه الفكرة علها تصادف التجاوب والنقد من الأساتذة والمختصين، وأن يتوجه النظر في مجال البحوث والرسائل العلمية إلى الجوهر لا المظهر، وإلى الكيف لا الكم، ولقد أثرت أيها الشيخ مكنونا في النفس، فهذه نفثات صدر المكمد، والله تعالى أسأل أن يهدينا ويسددنا، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه خير مسؤول وأجود مأمول.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[04 Jun 2003, 01:13 ص]ـ
في البداية أشكر فضيلة الدكتور الفاضل مساعد الطيار على هذا التميز في الطرح والتحرير الذي أصبح سمة من سمات كتاباته العديدة أسأل الله تعالى أن يوفقه لكل خير وأن يعينه في جميع أموره.
وفي هذا الموضوع الرائد أحب أن أقدم هذا الاقتراح فيما يخص تقديم المخطط للموضوع الذي يراد بحثه:
وكلنا يعلم مقدار الجهد والتعب الذي يقع فيه الباحث عندما يريد تقديم مخطط لقبول الموضوع الذي يريد بحثه والذي قد يستمر لعدة أشهر في إعداده وهو ما يشمل: أسباب الاختيار وأهمية الموضوع والدراسات السابقة وخطة البحث ونماذج من البحث وغير ذلك.
وقد يفاجأ الباحث بعد هذا الجهد المضني بعدم قبول الموضوع لسبب من الأسباب التي قد ترجع لعدم الأهمية أو للسبق في الموضوع أو لغير ذلك.
ولا يخفى ما هي نفسية الباحث الذي يفاجأ بذلك وكيف يستطيع بعد ذلك إعداد مخطط آخر لموضوع آخر.
وما أريد أن أقترحه على مشائخنا الكرام هو أن يُعاد النظر في خطوات التسجيل. ومن ذلك:
1 - أنه يُكتفى بتقديم عنوان الموضوع وتصور مبدئي له ويقدم على القسم فإن تمت الموافقة يكون الباحث قد ضمن الموضوع فيفرغ فيه جهده ويبحث عن الدراسات التي تفيده.
2 - أن تُعتبر الخطة المقدمة مبدئية قابلة للتعديل بنظام سريع داخل القسم بموافقة المشرف على الرسالة لأن الباحث لا يمكن أن يتصور البحث كاملاً إلا بعد الانتهاء منه.
3 - أن يقترح القسم عدداُ من المواضيع التي يرى أنها ماسة للبحث والتي يمكن للطلاب الاختيار منها. وربما كان المقصود من عدم وجود ذلك هو معرفة رغبة الطالب في الموضوع عندما يبحث عنه ولعل هذا السبب مما ينبغي إعادة النظر فيه.
والله أعلم.
¥