تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي المهمة التي أخذ البحث عاتقه أن يسعى إليها، فما يسمى بالعلمانية التي أفرزت كثيراً من التشويش والاضطراب الفكري في بلادنا ليست في حقيقتها إلا إفرازاً لتاريخ طويل من الفلسفة المضطربة المتلونة والتي لم تصل إلى قرار، ولم تسكن على حال. إن المآسي العقلية والفكرية والخلقية التي حفِظَنا منها القرآن الكريم، وحصَّنَنا دونها وقعت فيها أوربا في العصر الحديث وتمرغت وتقلبت في أوحال كثيرة من الشك واليأس والإحباط والانحلال والتهتك ثم أخيراً الإفلاس والعدمية.

إن هذا الحصن القرآني الذي يحول بيننا وبين الوقوع في ذلك المرتكس هو ما يحاول العدو أن يهدمه أو يثقبه أو يزعزعه، ويوظف لذلك كل ما لديه من إمكانات مادية وإغرائية وتلبيسية. ومن هنا يريد هذا البحث أن يكون لبنة أمام هذا الحصن، يكشف عن الشبهات وجذورها وأخطارها، ويلفت النظر إلى نتائجها وآثارها، ويستحث الهمم لمجابهتها ومواجهتها، بل ومهاجمتها أيضاً في عقر دارها.

ومن أهم هذه الأفكار التي تبحث عن منفذ تتسرب منه إلى عقولنا لتتحكم بثوابتنا هي مسألة التاريخية أو تاريخية النصوص التي تأتي في إطار التسريب العلماني للأفكار الوافدة، وهي قضية الهدف منها إقصاء القرآن الكريم عن موقع القيادة واستبداله بأيديولوجيات مختلفة تمجد العقل والإنسان والحياة الدنيا والمادة على حساب الخالق عز وجل والغيب والحياة الآخرة.

ومن هنا يعرض الخطاب العلماني بضاعته المستوردة هذه في مؤتمراته وندواته ويلح في الدعوة إليها والتنظير لها تحت مسميات ومفاهيم إسلامية مختلفة مثل أسباب النزول والنسخ والمكي والمدني والمقاصد وغير ذلك.

وقد صدرت دراسة تطبيقية بعنوان " تاريخية التفسير القرآني " للباحثة التونسية نائلة السليني وهي في أصلها رسالة دكتوراه مقدمة في كلية الآداب بمنوبة – جامعة تونس. تناولت فيها نماذج في النكاح والرضاعة والمواريث وأرادت أن تصل من خلال هذه النماذج إلى أن كل ما فهمه المسلمون من الآيات القرآنية التي تتعرض لهذه المواضيع كان متأثراً بالحياة الاجتماعية، ويعكس أثر الواقع في النص ودوره في توجيه معانيه، وكان جل اعتمادها في ذلك على الدراسات الاستشراقية والعلمانية، وليس وجود مصادر إسلامية كثيرة في حواشي الرسالة إلا محاولة لستر الخلفية المغرضة التي تنطلق منها الباحثة.

إنها تنطلق من أسس تمثل الحد الفاصل بين الإسلاميين والعلمانيين وذلك حين تعتبر القرآن الكريم تاريخياً في جملته من حيث الجمع والتدوين أي تعرضه للزيادة والنقصان، وتاريخياً من حيث فهمه أي وُظّف دائماً بشكل خاطئ في التاريخ، أو على الأقل بشكل لا يمكن أن يكون مطلقاً ومتجاوزاً لحدود الزمان والمكان، لقد كانت دراسة الباحثة إذن تطبيقية ومن وجهة نظر علمانية بحتة، أما الجانب التنظيري والتأصيلي لفكرة التاريخية فقد كان غائباً كلياً عن البحث إلا من بعض الإشارات العابرة.

وفي قسم التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر رسالة بعنوان " العلمانيون والقرآن الكريم " للباحث الكويتي صلاح يعقوب يوسف عبد الله وقد وفق الباحث في مناقشة تأصيلية لكثير من موضوعات بحثه إلا أن منهجية الباحث كانت منهجية تجزيئية تنطلق من مكافحة بعض الشبهات المختلفة التي يتداولها الخطاب العلماني وقد غابت عن الباحث الأسس والأصول الأيديولوجية الموجهة لهذا الخطاب في قراءاته للقرآن الكريم.

ولذلك لم أجد أية دارسة تستقل بتناول مسألة تاريخية النص في الخطاب العربي والإسلامي المعاصر وتنظّر لذلك من وجهة نظر إسلامية وتبحث عن أسسه وأصوله بشكل مفصل وهو ما حاولت هذه الدراسة أن تقوم به.

ولم يكن تحقيق هذه الخطوة بالأمر السهل فقد تطلب قراءة كثيرة لمختلف الأطروحات أو ما يسمى تضخيماً بالمشاريع العلمانية، واحتاج ذلك إلى وقت طويل، وصبر جميل لفهم هذه الأطروحات وخصوصاً أنها في كثير من الأحيان تسعى إلى التقعر في الكلام والتمعك في المصطلحات، والإغراب في التراكيب والعبارات بقصد الإبهار والتلاعب بالعقول والأفكار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير