2 - يتخذ التأويل في القرآن الكريم دلالة تستمد أصلها في اللغة من معنى "الصيرورة والرجوع والعاقبة", وتتشعب داخل سياقات النصوص القرآنية والحديثية لتشمل معاني جزئية تؤول إلى معنى "التحقق والعاقبة والمآل".
3 - أهم ما ميز مصطلح التأويل في القرآن والحديث, كونه مصطلحا قليل الورود, محدود الأبعاد, لكنه مع ذلك يتبوأ موقعا بين المفاهيم الدالة على تجليات البعد العقدي للإسلام (اليوم الآخر) والعملي. هذا الموقع يؤكد وروده موصوفا بالحسن باعتباره"عاقبة " لبعض الأفعال المأمور بها في مجالات مختلفة, إذ دل ذلك على ارتباطه بمفاهيم "الجزاء والثواب". هذا فضلا عن بعده العلمي المتجلي في جانبي التعبير والتفسير, حسب ما تدل عليه بعض الاستعمالات الأخرى.
4 - على مستوى علاقات المصطلح مع غيره من المصطلحات, شكل مفهوما "الإحاطة بالعلم" و" الفقه في الدين" مظهرا للمجال الدلالي الذي يتقاطع مع "التأويل", على وجه الاختلاف تارة والاتفاق تارة أخرى, وهو ما أثمر التأكيد على سمتين بارزتين في مفهوم التأويل: سمة التحقق في الواقع- بعدها الغيبي- المقابلة للإحاطة بالعلم, وسمة التحقيق في الفهم والعلم- في بعدها المشهود- المناظرة للفقه والدين.
5 - مثلت ضميمتا "تأويل الأحاديث" و "تأويل الأحلام" المجال الوحيد الذي امتدت فيه دلالة المصطلح ونمت. لكنها على قلتها حملت في طياتها الكثير من المعاني الجزئية, الناتجة عن شبكة من العلاقات التي ربطتها بمفاهيم ومصطلحات أخرى ربطت التأويل بعوالم تدور في فلك " النبوة " عامة , ونبوة يوسف عليه السلام بصفة خاصة , كالاجتباء وإتمام النعمة والملك والتمكين في الأرض.
6 - لم تسمح مشتقات التأويل في القرآن الكريم, بصغر حجمها من جهة وطبيعة دلالتها الاصطلاحية من جهة ثانية, بالحديث المستقصي عن امتداد المصطلح عموديا- أي بالتشعيب الكمي – ولا- أفقيا- أي بالتشعيب الكيفي, وكان ذلك من المظاهر الدالة على محدودية المساحة التي يحتلها التأويل داخل النص القرآني.
7 - تضمنت نصوص المصطلح قضيتين أساسيتين ارتبطتا بالتأويل دوما, وهما قضية التفسير, وقضية المحكم والمتشابه, وقد قام البحث في هاتين القضيتين إلى القول بأنه رغم التقاء التفسير بالتأويل من جهة معنى العاقبة والمصير وأصل التصيير والإرجاع الكامنين في أصل الدلالة, ومن جهة كونهما نحوين من البيان, فإن التفسير علم بالمعنى, والتأويل تحقق فعلي له في الخارج. وهو أمر يزكيه البحث في علاقة التأويل بالمحكم والمتشابه. حيث تم رفع الحجاب عن معنى المتشابه وتأثيره في توجيه المعنى المقصود بالتأويل في آية آل عمران السابعة , وكونه لا يند عن مدلوله القرآني , في باقي سياقاته, وهو أنه تحقُقٌ فعليٌ للشيء في الخارج , لا مجرد تفسيرٍ الألفاظ , ودرك المعاني.
أما بعد, فليست تلك الثمار السبع بدعا من القول في الدراسات القرآنية , إنها تنتمي إلى شجرة من البحث تمتد جذورها في مجالات التفسير واللغة والأصول من تراثنا. لكنها شجرة تحتاج, لكي يزداد أصلها ثباتا, وتمتد فروعها في السماء, إلى أن تغذى جذورها , ويروى ترابها , بالتأصيل العلمي والشرعي, لمناهج الدراسات القرآنية عامة , ومنهج دراسة مصطلحاتها خاصة.
فمن الجهة العلمية الخالصة, لا يولد العلم , ولايستوي على سوقه, إلا حين تكتمل له شروط ثلاثة: استقلال في الموضوع, ودقة في المنهج وصحة في النتائج.
وبَيِّنٌ أن الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية, بشروطها وصفاتها المحددة في صدر هذا البحث- وإن كانت لا تزال تعاني مخاض الولادة- إلا أنها تمتلك كل تلك الشروط التي تؤهلها لأن توجد سليمة البناء , وتبلغ أشدها صحيحة الأركان والأعضاء: فعلى مستوى الموضوع , يتراتب موضوع الدراسة المصطلحية للقرآن الكريم أو قل: علم اصطلاح النص القرآني, في دوائر ثلاث, بعضها فوق بعض, فالأولى: هي الدراسات القرآنية , والثانية: التفسير, والثالثة: المصطلح القرآني. فمعرفة المصطلح جزء من العلم بتفسير القرآن, وهذا أيضا جزء من الدراسات القرآنية عامة. ولا يدرك الكل إلا بإدراك جزئه. فموضوع علم اصطلاح النص القرآني على ذلك: هو العلم بالمفاهيم القرآنية , لتحصيل معرفة أجود بتفسير القرآن, ونظرة أدق وأعمق وأشمل للمسائل القرآنية. وأما على مستوى المنهج: فيجمع بين أصلٍ
¥