قال الألوسي:" ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة ألاف من الملائكة منزلين: الكفاية سد الحاجة وفوقها الغنى بناء على انه الزيادة على نفي الحاجة ,والإمداد في الأصل إعطاء الشيء حالا بعد حال ,وفيه إشعار بأنهم كانوا حينئذ كالا يسين من النصر لقلة عددهم وعدتهم ,وفي التعبير بعنوان الربوبية مع الاظافة إلى ضمير المخاطبين مالا يخفى من اللطف وتقوية الإنكار ومن الملائكة بيان أوصفة لآلاف أولما أضيف إليه ومنزلين صفة لثلاثة آلاف وقيل: حال من الملائكة , وفي وصفهم بذلك إشارة إلى أنهم من اشرف الملائكة وقرئ (منزلين) بالتشديد للتكثير أوللتدرج وقرئ مبنيا للفاعل من الصيغتين عل معنى منزلين الرعب في قلوب أعدائكم أو النصر لكم "
وقال الرازي: وعد الرسول بذلك المؤمنين الذين بواهم مقاعد للقتال وأمرهم بالسكون والثبات في تلك المقاعد ,فهذا يدل على انه صلى الله عليه وسلم إنما وعدهم بهذا الوعد بشرط أن يثبتوا في تلك المقاعد فلما أهملوا هذا الشرط لاجرم لم يحصل المشروط , كذلك الحال في إنزال خمسة ألاف كان مشروطا بشرط أن يصبروا ويتقوا في المغانم , ثم إنهم لم يصبروا ولم يتقوا في المغانم , بل خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فلما فات الشرط لا جرم فات المشروط "
وقال الزمخشري:"إذ تقول: ظرف لنصركم على أن يقول لهم ذلك يوم يدر , أو بدل ثان من (وإذا غدوت) على أن يقول لهم يوم احد. فان قلت كيف يصح أن يقول لهم يوم احد ولم ينزل فيه ملائكة , قلت: قال لهم مع اشتراط الصبر والتقوى عليهم فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا , حيث خالفوا أمر رسول الله فلذلك لم تنزل الملائكة ولو تمو على ما شرط عليهم لنزلت , وإنما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله "
وقال ابن كثير:"اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم احد على قولين احدهما: إن قوله: (إذ تقول للمؤمنين) متعلق بقوله (ولقد نصركم الله ببدر)
القول الثاني: إن هذا الوعد متعلق بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال) وذلك يوم احد ولكن قالوا لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف لان المسلمين فروا يومئذ , زاد عكرمة ولا بالثلاثة الآلاف لقوله (بلى إن تصبروا وتتقوا) فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بمللك واحد "
قال ابن عطية في تفسير الآية الثانية (الم تر إلى اللذين خرجوا) هذه رؤيا القلب بمعنى الم تعلم , والكلام عند سيبويه بمعنى تنتبه إلى أمر اللذين , ولا تحتاج هذه الرؤيا إلى مفعولين وقصة هؤلاء فيما قال الضحاك: هي أنهم قوم من بني إسرائيل أمروا بالجهاد فخافوا الموت بالقتل في الجهاد ,فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك فأماتهم الله ليعرفهم انه لا ينجيهم من الموت شيء , ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله: (وقاتلوا في سبيل الله) (البقرة:190 - 244)
وقال الزمخشري:"الم تر: تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الأولين وتعجب من شانهم ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع , لان هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب , روي أن أهل (دار دان) قرية قبل واسط وقع فيها الطاعون , فخرجوا هاربين , فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا انه لا مفر من حكم الله وقضائه , قيل: هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرا من الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم (وهم ألوف) فيه دليل على الألوف الكثيرة واختلف في ذلك فقيل: عشرة , وقيل: ثلاثون , وقيل: سبعون "
قال السيد قطب:"وقصص بني إسرائيل هو أكثر القصص ورودا في القرآن الكريم لأسباب عدة وذكر منها:
وهو أن الله سبحانه علم أن أجيالا من هذه الأمة المسلمة ستمر بادوار كالتي مرت فيها بنو إسرائيل , وتقف من دينها وعقيدتها مواقف شبيهة بمواقف بني إسرائيل فعرض عليها مزالق الطريق , مصورة في تاريخ بني إسرائيل لتكون لها عضة وعبرة ,ولترى صورتها في هذه المرآه المرفوعة لها بيد الله سبحانه قبل الوقوع في تلك المزالق أو اللجاج فيها على مدار الطريق "
¥