فضيلة الشيخ الدكتور علي بن غازي التويجري مشرف هذه الرسالة، وفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز العواجي، فقد استفدت منهما كثيرا جدا في هذه الرسالة.
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالكتابِ المبين، الفارق بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، والشك واليقين، أنزله لنقرأه تدبرا، ونتأمله تبصرا، ونسعد به تذكرا، ونحمله على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدق به ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتني ثمار علومه النافعة الموصلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحين الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدالُّ عليه لمن أراد معرفته، وطريقُه الموصلة لسالكها إليه، ونورُه المبين الذي أشرقت له الظلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسببُ الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابُه الأعظم الذي منه الدخول فلا يغلق إذا غُلِّقت الأبواب، وهو الصراطُ المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذكرُ الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُلُ الكريم الذي لا يشبع منه العلماء.
لا تفنى عجائبه، ولا تُقْلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته، كلما ازدادت البصائرُ فيه تأملا وتفكيرا زادها هداية وتبصيرا، وكلما بجست معينه فجَّرَ لها ينابيع الحكمة تفجيرا، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، ورياض القلوب، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح، حَيَّ على الفلاح، نادى منادي الإيمان على رأس الصراط المستقيم: [يقومنا أجيبوا داعى الله وءامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم]
وبعد، فلما كان كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع والعمل الصالح كان حقيقاً بالإنسان أن ينفق ساعات عمره، بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية، ويخلص به من الخسران المبين.
وليس ذلك إلا بالإقبالِ على القرآن، وتفهمِه، وتدبرِه، واستخراجِ كنوزه، وإثارةِ دفائنه، وصرفِ العناية إليه، والعكوفِ بالهمة عليه. وتدبر القرآن وتعقله هو المقصود بإنزاله لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر، فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل له، ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أجعل موضوع رسالتي لنيل درجة الماجستير: «القواعد التفسيرية عند الإمام ابن قيم الجوزية» حتى أتعلم تلك القواعد التي تعينني – بعد فضل من الله- على فهم القرآن الكريم حق الفهم، وتجنبني من الأخطاء التي يقع فيها بعض القاصدين لتفهمه وتدبره.
أسباب اختيار الموضوع وأهميته:
وهي تتلخص فيما يلي:
أولا: المشاركة في خدمة كتاب الله تعالى, وذلك بإبراز القواعد التفسيرية التي تضبط طريقة فهمه.
ثانيا: أهمية الموضوع ومكانته، وذلك لأن هذا الموضوع يقوي المقدرة على استنباط معاني القرآن، وفهمه على الوجه الصحيح، وضبط التفسير بقواعده الصحيحة.
ثالثا: شرف العلم الأصلي - وهو: التفسير - والعلم الفرعي - وهو: القواعد التفسيرية.
رابعا: ارتباط الموضوع بكثير من العلوم كعلوم القرآن الكريم، وأصول الفقه، واللغة العربية، ومن هنا يمكن لي الاطلاع على كم كبير من مصادر مهمة في فنون مختلفة.
خامسا: أن هذا الموضوع يتيح لي قراءة مؤلفات الإمام ابن القيم - رحمه الله – بدقة، والاستفادة من ثقافته المتنوعة الفنون، الواسعة الأطراف.
سادسا: أن هذا الموضوع له علاقة وطيدة، ومناسبة قوية بالأصول والقواعد، وقد درستهما في كلية الشريعة، فيكون هذا الموضوع سببا في توسيع دائرة معلوماتي حول هذين العلمين.
سابعا: مكانة الإمام ابن القيم -رحمه الله- فإنه تميز في العلوم الشرعية بصفة عامة، وفي علوم التفسير والأصول واللغة بصفة خاصة، وقد شهد له بذلك كثير من علماء التفسير وغيره، فالقواعد التي ذكرها لها شأن كبير، لأنها من عالم كان متمكنا غاية التمكن من العلوم التي تعتبر من مصادر القواعد التفسيرية.
¥