تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أهمية المعرفة اللغوية في سلامة تحقيق النص التراثي]

ـ[السراج]ــــــــ[19 Aug 2009, 02:47 ص]ـ

[أهمية المعرفة اللغوية في سلامة تحقيق النص التراثي]

يتناول هذا المقال أهمية اللغة ولإتقانها في إخراج النصوص التراثية وتحقيقها ونشرها، كما يبين ضرورة إلمام الباحث المحقق بالمجال الذي يشتغل فيه وخصوصياته اللغوية وإلا وقع في الأخطاء والزلات القاتلة.

المهدي بن محمد السعيدي

مقدمة:

درج كثير من الناس في العهود الأخيرة على عد التحقيق عملا تقنيا يتلخص في جمع المخطوطات والمقابلة بينها، وتخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وتحشية الصفحات بالفروق بين النسخ والبحث في المعاجم عن معاني الغريب وتراجم الأعلام ومعاني المصطلحات، ([1]) وقد فات هؤلاء أن التحقيق عمل مضن ومعاناة وتفكير دائم وتفكر، وقبل ذلك كله زاد علمي كبير جمعه الممارس من سنوات دراسته ومطالعاته وسياحته العريضة في مجالات التراث الكثيرة والمتنوعة وسبر أغوارها واطلاع على أعماق فكر الأمة وقيمها الثابتة وشخصيتها الشامخة- كما كان يردد الأستاذ أحمد محمود شاكر رحمه الله. [2]

إن التحقيق من هذه الزاوية موقف وتصور، وصاحبه بعمله هذا – وإن كان يشتغل بكتب التراث القديمة – وعلى عكس ما يعتقد الأغرار لأول وهلة من بعده عن العصر وقضاياه ومشاكل الإنسان الحاضرة وهمومه – مرتبط أشد الارتباط بهذا العصر وتلك القضايا، وعمله ما هو إلا موقف من قضايا الأمة ومن ماضيها وحاضرها وتصور واضح لمستقبلها، وقد انتفع الناس بجهود المحققين في المجالات المعرفية المختلفة وبنوا عليها أفكارهم وآراءهم، فلم تظهر صورة الأدب العربي المشرقة الوضاءة إلا عندما أخرجت إلى الناس مجاميع الأدب ودواوين الشعراء مضبوطة محققة، ولم يؤسس النقد إلا بفضل إخراج نصوص النقد العربي القديم مثل كتب الجاحظ وابن سلام الجمحي وقدامة ابن جعفر وابن طباطبا العلوي وغيرهم، ولم تتدعم حركة العناية باللغة العربية والدفاع عنها إلا بظهور كتب اللغة ومعاجمها، كما لم تزدهر الدراسات القرآنية والحديثية إلا بعد نشر أمهات كتب الفنين مصححة، وقس على ذلك مجالات المعرفة العربية الإسلامية الأخرى ..

هكذا نرى أن العناية بالتراث العربي الإسلامي كانت مواكبة لقضايا العصر وتحدياته، ولقد كان هذا التصور هو السائد عند طائفة المحققين الرواد من أمثال أحمد محمد شاكر والسيد أحمد صقر وعبد السلام هارون ومحمود محمد شاكر ومحمد بهجت الأثري ومحمد كرد علي .. وغيرهم من العلماء الأجلاء من مختلف الأجيال.

1 - التحقيق واللغة:

لقد كان التحقيق عند علماء التحقيق المتأخرين الذين سبق ذكرهم مبدءا وعلما له أصول صحيحة متينة، لا مهارات ضحلة وتقنيات بسيطة، وقد أوضح الباحثون أن هذه المعارف كانت أصلا بنى عليه الأقدمون تصحيحاتهم للكتب بمناهج في غاية الدقة مما جاء به المستشرقون حتى ظن من افتتن بجهودهم – المشكورة على كل حال – أنهم أصحاب هذا النهج ومخترعوه. ويكفي أن نشير هنا إلى أعمال الحافظ اليونيني في إخراج صحيح الإمام البخاري وأبي عبيد البكري الأندلسي في شرحه الموسوم: «اللآلي في شرح أمالي القالي» وعبد القادر البغدادي في كتابه: «خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب» والقاضي عياض في كتابه: «الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع.» ([3])

وقد نص الأقدمون على أهمية اللغة في تصحيح النصوص وضبطها من خلال الإلحاح على المقابلة بين النسخ والحرص على الضبط، ([4]) ولقد كتب المتأخرون كتبا عديدة عن التحقيق ومناهجه وخطواته ومصادره، واتفقوا كلهم على كون التحقيق عملا مستندا على اللغة تصحيحا للمتن وتدقيقا لمعانيه، وإخراجا له على الصورة التي وضعه عليها مؤلفه أو أقرب ما يكون إلى تلك الصورة، قال الأستاذ عبد السلام هارون عن المطلوب من المحقق:

" أن يؤدي الكتاب أداء صادقا كما وضعه مؤلفه كمّا وكيفا بقدر الإمكان." ([5])

وقال الأستاذ رمضان عبد التواب أن التحقيق للكتاب:

" قراءته على الوجه الذي أراده عليه مؤلفه، أو على وجه يقرب من أصله الذي كتبه به هذا المؤلف .. " ([6])

وانطلاقا من هذه التعريفات فإن تحقيق النصوص التراثية يستند على أمرين أساسيين اثنين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير