[المصحف الشريف والتجديد الفني للخط العربي]
ـ[المستعار]ــــــــ[22 - 07 - 2002, 11:31 م]ـ
للقرآن الكريم أثر عظيم في نفوس المسلمين، فهو كتاب الله، أصل كل الأصول، يحفظونه ويتبركون به، يتحصنون ويتداوون بآياته، ويأخذون بأحكامه، وحرص المسلمون جميعاً على أن يكون في أجمل صورة، وأبهى حلة، وانكب الخطاطون والمجلدون والمذهبون عليه إبداعاً في إخراجه، حتى أصبح أعظم رونقاً، وأجمل شكلاً وأكثر جلالاً.
كان سبباً في تطوير وتجويد الكتابة العربية خطوطاً ونقوشاً، فصار الخط
العربي أحد أهم الوحدات الزخرفية الفنية الإسلامية، ليس هذا فقط، بل امتد أثره ليشمل كل جوانب وميادين الفن الإسلامي.
كان نزول القرآن الكريم بلهجة قريش دليلاً على سيادة هذه اللهجة بين العرب، نزل وحياً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول يبلغه إلى الصحابة فور نزوله، فيكتبه كتبة الوحي، ويتسابق الباقون بحفظه عن ظهر قلب، تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل، ويسارع كتبة الوحي بتسجيله أمامه، ومن أشهرهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ومعاوية وزيد بن ثابت وعامر بن فهيرة وعمرو بن العاص، وقيل إن عددهم 26 كاتباً وفي قول أخر 42.
ارتبط المصحف بعدة أمور في حياة المسلم، يمكن لنا أن نفصلها على مستويين:
ولهما مستوى روحي يتعلق بكلماته ودلالاتها، وثانيهما مادي يتعلق بصنعته من ورق وتجليد وخط وكتابة وزخرفة، وغير ذلك من الأعمال الفنية، وهنا يمكن لنا النظر في عدة أمور منها، المواد المستخدمة، الخطوط العربية، إعجام اللغة العربية جمع نصوص القرآن الكريم والزخارف المصاحبة. ومن تلك الأمور نستطيع أن نحكم على تاريخ أمة الإسلام وخاصة في جوانب تمدنها وتحضرها وذلك للإرتباط الشديد بين المصحف الشريف وبين ما أنتجته يد السلم، وما تفتق عنه ذهنه وإبداعه أصالة وفناً.
كان للمصاحف -وما زال- اثر مهم على العمارة الإسلامية؛ فقد جاءت الزخارف على العمائر مماثلة لتلك التي على المصاحف، بدليل أن المصاحف المغربية تختلف زخارفها عن تلك التي كتبت وزخرفت في شرق العالم الإسلامي؛ ولذا فإننا نجد أن العمارة المغربية مختلفة عن مثيلتها في شرق العالم الإسلامي وبنفس درجة الاختلاف في زخرفة المصاحف.
علم "الكتابات العربية" علم حديث له صلة وثيقة بالدراسات الأثرية، ويمكن النظر إلى الكتابات العربية الآثرية من كونها:
1. كتابات على مواد صلبة مثل الحجر والخشب والرخام وتسمى "نقوشاً".
2. كتابات على مواد لينة مثل الرق والبردى والورق وتسمى "خطوطاً". وعموماً فالبحوث في موضوع الكتابات قليلة، إلا أن آيات القرآن الكريم قد احتلت موقعاً متقدماً سواء في النقوش أو في الخطوط.
فالقرآن الكريم لم نجده فقط حبيس المصاحف والصناديق، ولكنه وجد مكتوباً على البيوت والمساجد وقطع الأثاث، وهناك مساجد نقش عليها القرآن كاملاً لتكون مصاحف ومساجد في آن واحد، وقد ظل القرآن عند المسلم آيات تُقرأ وتسمع ويؤخذ بمحتواها وينتهي عما تنهى عنه، وكان يقرأ في البيوت، وفي مداخل المنازل كنا نلاحظ دكة مخصصة لقارئ القرآن، حيث يأتي كل صباح ليقرأ بعض ما تيسر منه في ترتيب يومي دائم، كما أنه لا يجوز إغفال أن القرآن الكريم قد وجد مكتوباً أول الأمر على العسب والأكتاف واللخاف والأقتاب والرقاع وقطع الأديم والنسيج.
وعلى أي الأحوال فالدراسات عن الكتابات الأثرية الإسلامية على المواد الصلبة "النقوش" أصابت نجاحاً بينما الدراسات على المواد اللينة "الخطوط" لا تزال -رغم كثرتها- في بداية الطريق (تقريباً).
جمع نصوص القرآن الكريم
يوم اليمامة استشهد عدد غير قليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفظة القرآن الكريم، وقد تنبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو وقتذاك من أبرز الوجوه في الدولة الإسلامية الفتية لهذا الأمر، وخشي ضياع القرآن الكريم بموت حفظته، فذهب إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وطرح أمامه مخاوفه واقتراحاته، وانتهى الأمر باستدعاء زيد بن ثابت وتم تعيينه رئيساً للجنة طلب منها جمع القرآن الكريم، ونجح -زيد- في مهمته وحفظ ما تم تدوينه في دار أبي بكر، ثم نقل إلى دار عمر وبعد استشهاده أودع عند أم المؤمنين "حفصة بنت عمر"،
¥