لما بين الله تعالى أن هذه الأنباء في طريق وصولها إليهم؛ فكتبت الهمزة لذلك على أصل الوصل والاستمرار، لا الوقف والانقطاع، وصورت بسبب ضمها واوًا ... والأنباء التي ستأتيهم هي ما توعدهم الله عز وجل به من العذاب، وإدخالهم جنهم خالدين فيها، ولا خروج لهم منها؛ فكانت الواو التي تستعمل في الإشارة إلى الباطن والداخل، واستمرار إشارتها تلك، لأنها آخر الحروف في الكلمة؛ فكانت تصويرًا لما يؤول إليه حالهم.
ووردت الأنباء معرفة بأل التعريف، ومضمومة الآخر في موضع واحد؛ كتبت فيه على أصل الوقف والانقطاع:
قال تعالى: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) القصص
فقوله تعالى "فعميت عليهم" دالة على أن "الأنباء" لم تصلهم ومقطوعة عنهم، فكتبت الكلمة لذلك على القاعدة؛ أي على الوقف والتسكين.
ووردت "أنباء" في مواضع أخرى مجرورة، ومكتوبة على الوقف والتسكين، وليست محل بحثنا.
الهمزة السابعة: همزة نَبَؤُا (بالإفراد)
وقد كتبت على أصل الوصل؛ أي على واو، حيث هي مضمومة وما قبلها مفتوح، والضمة أقوى من الفتحة في الأمثلة التالية:
قال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ (9) إبراهيم
قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص
قال تعالى: (قُلْ هُوَ نَبَؤُا عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ص
قال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن
والسر في كتابة الهمزة على الوصل؛ أي على الواو هو أن الكلمة كانت صورة لواقع النبأ.
فالأنباء على نوعين: منها ما توقف تداوله بين الناس، وانتهى أمره إلى النسيان عند الكل أو عند طائفة منهم، ونوع من الأنباء استمر تناقله بين الناس فاستمر العلم به.
والسؤال عن النبأ هو سؤال عن نبأ استمر بين الناس وتواصلت المعرفة به، والسؤال له أو لهم بصيغة المخاطب؛ هل وصل النبأ أم لم يصل؟
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (9) إبراهيم؟،
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ (5) التغابن؟
(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ (21) ص؟.
أو يكون الحديث عن نبأ أعرضوا عنه بعد وصولهم إليه؛ (قُلْ هُوَ نَبَؤٌا عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ص.
ففي هذه الأمثلة كتبت نبأ على أصل الوصل للدلالة على أن النبأ استمر وتواصل واشتهر وتناقله الناس.
وأما الأمثلة التي كتبت فيها كلمة النبأ على أصل الوقف، فقد كان الحديث فيها عن نبأ لم يصل القوم والمطلوب تبليغهم هذا النبأ وتوصيله إليهم كمثل؛
قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) الشعراء وهي منصوبة.
وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) التوبة
وأما هذا الذي في سورة التوبة (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فهو استفهام عن إتيان نبأ لغائب وليس لمخاطب كما في الأمثلة الأولى؛ ففيه تعجب لبيان شدة قبح إعراضهم وكفرهم، وكأن نبأ الذين من قبلهم لم يصلهم فلم يتعظوا مما حل بهم ... فكتبت الهمزة على الوقف عليها، وكان ما قبلها مفتوحًا فكانت الألف صورة لها.
وهذا غير الذي ذكر في آيات إبراهيم والتغابن وص؛ فالاستفهام فيها كان موجهًا لمخاطب قد سمع نبأ هلاك السابقين، ويقر بوصوله إليه، ولم يكن الاستفهام لطلب العلم من قبلهم.
الهمزة الثامنة: همزة جَزَاؤُا
كتبت "جَزَاؤُا" على الوصل لا الوقف في أربعة مواضع، وكلها كانت في العقاب، ولم تأت على الوصل في الجزاء الحسن مع أنه مستمر لئلا يفهم من كتابتها على الوصل أن غيرها ينقطع.
أما في العذاب فمنه ما يستمر، ومنه ما لا يستمر وينقطع؛
¥