قال تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاؤُا الظَّالِمِينَ (29) المائدة
احتكم ابنا آدم عليه السلام إلى الله تعالى بتقديم كل منهما قربانًا، لم يقبل أحدهما بحكم الله فقتل أخاه، فكان جزاؤه جزاء دائمًا ومستمرًا لا يرفع عنه فكتبت على الوصل لا الوقف.
وقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) المائدة.
من حارب الله ورسوله فلا بد من أن يعاقب بإحدى العقوبات التي ذكرت في الآية؛ وأعلاها القتل، وأدناها النفي من الأرض، فلا يتركون دون عقاب؛ فالجزاء يطلبهم ويلاحقهم؛ فكتبت الهمزة على الاستمرار لا القطع.
وقال تعالى: (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاؤُا الظَّالِمِينَ (17) الحشر
الحديث عن اثنين أحدهما الشيطان، وجزاء الشيطان في النار جزاء مستمرًا لا يرد ولا ينقطع، وضم مع الشيطان من كفر، في حديث واحد، مما يدل على أنه جزاء لهما لا انقطاع له ولا تحول، فكتبت لذلك الهمزة على الوصل والاستمرار لا الوقف والانقطاع.
وقال تعالى: (وجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) الشورى
"وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها" حكم دائم ومستمر من الله تعالى؛ للعدل بين الناس في القصاص الذي يكون بينهم، لا يجوز قطعه بالتجاوز فوق العقاب، بمعاقبة أكبر من المثل، أو بنقض الصلح بعد وقوعه وأخذ العوض بالرد على السيئة بأخرى؛ ولهذا الجزاء امتداد بحساب آخر من الله لهم يوم القيامة على السيئة وجزاء السيئة، لذلك كتبت همزة جزاء على الوصل لا الوقف والقطع لما يريده الله تعالى بهذا الحكم.
أما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا (27) يونس.
فهذه سيئات يحاسب الله تعالى عليها الناس، وليس الناس هم الذين يطلبون حساب الناس عليها، كما في آية الشورى، والجزاء مقطوع فيها، والحساب حساب خاتم، والحساب قائم على التقدير، أما التنفيذ بالعقوبة على الحساب فأمر آخر. لذلك كتبت الهمزة على الوقف والقطع لا الوصل والاستمرار.
وغير ذلك لم ترسم همزة جزاء المضمومة واوًا؛
فإذا كان الجزاء جزاءً حسنًا، من النعيم المفتوح لهم في الجنة؛
(فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) المائدة.
(جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) طه
(إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ
(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) الزمر
(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) الرحمن
وإذا كان الجزاء لا يستمر مع الجميع؛ فمن فعل عُوقب، ومن تراجع سلم؛
كما في قوله تعالى عن محاربة المشركين في مكة:
(فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) البقرة،
فلم يقتل إلا القليل، والباقي دخل في الإسلام.
ومثل ذلك يوم حنين، فقتل القليل ودخل البقية بعد ذلك في الإسلام.
(وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) التوبة.
وفي كفار قريش الذين قالوا: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) ...
(ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ (28) فصلت
وكذلك سجن يوسف عليه السلام الذي لم يستمر، وكذلك لم يعذب؛
(قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف.
وكذلك إذا كان الجزاء مشروطًا؛ فلا يقع الجزاء إلا على الفاعل لموجب العقاب، ومن لم يفعل يسلم؛
¥