أما كتابتها على الوصل والاستمرار في سورة القيامة فيرجع لعدم انقطاع أعمال الإنسان بموته، فقد استنسخ عمله في الحياة الدنيا، ووجده حاضرًا يوم القيامة، فلهذا الاستمرار وعدم الانقطاع والنسيان كتب الفعل على الوصل والاستمرار لا الوقف والانقطاع.
وأما كتابتها في سورة النجم على أصل الوقف والسكون؛ فلأنها هي ساكنة سكونًا دائمًا لجزمها بلم، والحديث فيها كان عن أحد كفار قريش، وأهل مكة لا علم بما في صحف إبراهيم وموسى؛ فهي مقطوعة عنهم، فلم يصلهم من علمها شيء قبل نزول القرآن.
الهمزة الثانية: همزة يَبْدَؤُا
قال تعالى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ (34) يونس
وقال تعالى: (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل
وقال تعالى: (اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) الروم
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) الروم
يبدأ الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان من نطفة، ولا يدعه بل يستمر في خلقه له، ليمر فيها في أطوار عديدة؛ من سلالة من طين، إلى نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظام، ثم يكسوا العظام لحمًا، ثم ينفخ فيه الروح ليكون جنينًا، ثم يخرج صبيًا، ثم طفلاً، ثم يشب إلى أن يشيخ، ومنهم من يصل إلى أرذل العمر. فالله تعالى يبدأ الخلق، ويستمر فعل الله تعالى فيه إلى أن يموت، خلايا فيه تتجدد؛ خلايا تموت وأخرى تولد، فلذلك كتبت الكلمة على الاستمرار لا على التوقف؛ لأنه لا توقف في خلق الإنسان، وأكثر التغيرات فيه هي داخلية، لتظهر عليه وتشاهد فيه، فكانت صورة الواو معبرة عن ذلك أيضًا.
ولم يذكر في القرآن غير الأمثلة السابقة.
الهمزة الثالثة: همزة يُنَشَّؤُا
قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) الزخرف.
تربى الأنثى وتنشأ على الحلية من صغرها؛ بالحلق في أذنيها في أول أيامها، والأساور في يديها، ويهتم بشعرها ولباسها بما يميزها عن الذكور، وتبقى على هذا الحال إلى أن تصبح من القواعد في آخر عمرها. فهي تنشأ في الحلية معظم عمرها، فلذلك كتب الفعل على الوصل لا الوقف والانقطاع، ليبين مدى لزوم الحلية لها من قدميها إلى رأسها ومن صغرها إلى كبرها، والحلية تحيط إما بالإصبع أو العنق أو الساق أو الخصر أو جانبًا من الأذن؛ فكانت الواو بإشارتها إلى الباطن والداخل صورة تؤدي معنى مع ما أفادته الكتابة على الاستمرار.
الهمزة الرابعة: همزة يَعْبَؤُا
قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان
ما يعبأ تعالى بالناس؛ أي لا يكترث ولا يبالي بمن وقعوا في عقابه جزاء تكذيبهم وكفرهم. وحسن رسم يعبأ في النفي على الاستمرار لا الوقف والانقطاع؛ لأن ذلك أبين للنفي الدائم المستمر مع كثرة الواقعين في التكذيب، والهالكين في كل زمان، وصورة الواو تظهر مدة حاجة من وقع في مصيبته بسبب تكذيبه وكفره للخروج منها.
وعلى الرغم من عدم عبادتهم له سبحانه وتعالى وتكذيبهم له، إلا أنه إذا دعوه استجاب لهم، وذلك من رحمته سبحانه وتعالى بهم؛ لعلهم يرجعون عن كفرهم وتكذيبهم.
الهمزة الخامسة: همزة تَفْتَؤا
قال تعالى: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ (85) يوسف
¥