بعض أحوال الأساتذة. كان للعلماء المجاورين سلطان على طلابهم كسلطان الوالد على ولده، فالطلاب يحترمون شيوخهم كثيرًا إلى الحد الذي يقبلون فيه أيديهم، ويحملون نعالهم، ويؤدون لهم مختلف الخدمات ويخاطبونهم بكلمة ¸مولانا· أو ¸أستاذنا· أو ¸شيخنا·.
يلبس الشيوخ في بعض المناسبات كساوي التشريف ليتميزوا بها. ويجلسون على مقاعد من الجريد أو الخشب، أو يتربعون على حصير المسجد مسندين ظهورهم إلى الأعمدة أثناء إلقاء دروسهم. ويتحلق الطلاب حول شيخهم للاستماع إلى شرح المتون، وأخذ مذكرات عنه بعد الدرس، والرجوع إلى الكتب التي تكثر عليها الحواشي. ويستعينون على حفظ دروسهم بكتب منظومة شعرًا. وكانت الامتحانات في العهد الأول إجازات يمنحها الشيوخ لتلاميذهم تدل على أن التلميذ قد أجاد فنًا معينًا أو كتابًا يجيزه لتدريسه.
من علماء الأزهر قديمًا. ينبغي الإشارة هنا إلى أن منصب شيخ الأزهر لم ينشأ إلا في العصر العثماني، وكان لقبه هو (شيخ عموم). وهذا المنصب كمنصب مدير الجامعة. وهو يرأس شيوخ الأقسام المختلفة، وله مكانته الروحية والسياسية لدى الشعب والسلطة الحاكمة. وقد حفظ لنا الشيخ عبد الرحمن الجبرتي (1168 - 1237هـ، 1754 - 1822م) أسماء بعض شيوخ الأزهر منذ عام 1100هـ، 1688م الذين كان يتم اختيارهم من أئمّة علماء الأزهر. وأول من تولى المشيخة منهم: الشيخ محمد عبدالله الخرشي المالكي (ت1101هـ، 1689م)، ثم الشيخ محمد النشَرْتي (ت1120هـ، 1708م).
ومن أشهر علماء الأزهر، وإن لم يتولوا منصب المشيخة، العز بن عبدالسلام (ت660هـ، 1261م) الملقب بسلطان العلماء، وكان مرهوبًا مهيبًا مسموع الكلمة لدى سلاطين المماليك، وجماهير الشعب.
ومن هؤلاء العلماء ـ أيضًا ـ ابن حجر العسقلاني (773 - 852هـ، 1371 - 1449م)، صاحب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وكان ـ كما وصفه السيّوطي ـ إمام الحفّاظ في زمانه، وانتهت إليه الرحلة في الرئاسة والحديث، فلم يكن في عصره حافظ مثله.
ومن أشهرهم ـ أيضًا ـ كمال الدين الدّميري (750 - 808هـ، 1349 - 1405م)، كان من أساتذة الأزهر في الحديث والفقه والتفسير والأدب. وهو ـ بعدُ ـ مؤلف الموسوعة الشهيرة حياة الحيوان، أورد فيها أسماء الحيوان، مرتبةً على الحروف الأبجديّة، يذكر فيها اسم الحيوان، ثم يتعرض للجوانب اللغوية والعلمية.
من علماء الأزهر حديثًا. من العلماء الذين تقترن بأسمائهم حركة الصحوة الشاملة، التي أحدثها الأزهر داخل مصر وخارجها، الجبرتي، مؤلف عجائب الآثار في التراجم والأخبار، وقد ترجم فيه أحداث الحملة الفرنسية وعصر محمد علي. والكتاب ـ في مجموعه ـ وثيقة تاريخية هامة، إذ كان الجبرتي شاهد عصر، بالإضافة إلى ما اعتمده من روايات المتقدمين في السن والوثائق التاريخية، وما وقع له من شواهد القبور. وقد كان والده عالمًا أزهريًا. ويعدُّ رفاعة الطهطاوي (1216 - 1290هـ، 1801 - 1873م) من أبرز الريادات الفكرية المستنيرة التي خرَّجها الأزهر، وكان واعظًا رافق البعثة العلمية التي أوفدها محمد علي إلى فرنسا، ولكنه تعلم الفرنسية واطّلع على آدابها، وتأمل جوانب الحياة في المجتمع الفرنسي، وصار بعد ذلك داعية إصلاح وتنوير في المجتمع المصري.
ويأتي الشيخ محمد عبده (1266 - 1323هـ، 1850 - 1905م) في الطليعة من رواد حركة الإصلاح الشامل على أسس إسلامية. وهو عالم أزهري، رافق جمال الدين الأفغاني، وأصدر معه مجلة العروة الوثقى، في باريس، ونادى بإصلاح الأزهر، حتى صدر قانون إصلاح الأزهر عام 1313هـ، 1895م. وجدد أساليب الكتابة، ومناهج البحث في العلوم الإسلامية والعربية، وشرح العديد من كتب التراث الأدبي مثل: مقامات الهمذاني، ونهج البلاغة.
الأزهر وجامعته في العصور الحديثة
المباني الإدارية لجامعة الأزهر بمدينة نصر في القاهرة.
¥