15 - الجزاء يكون بعد القيام بفعل الشرط، وقد دلّ الحديث على تحقّق فعل الهرولة من الربّ جلّ وعلا بعد تحقّق الشرط من فعل العبد، وهذا كمثل قول المصلّي سمع اللّه لمن حمده، فالسّماع والذي هو بمعنى الإستجابة يكون بعد الحمد من العبد والذي هو استجابة للعبوديّة، فمن قال إنّ الإستجابة لا تزال تحصل للعبد حمد أم لم يحمد، فقد أخطأ كمثل من زعم أنّ اللّه يأتي هرولة للعبد أطاع أم لم يطع، ومشى في ذلك أم لم يمش.
16 - في حديث الهرولة دلالة على إثبات الرّبّ بصفاته لاستحالة صدور الفعل الإختياري من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا إرادة، كما فيه دلالة على وجود المربوب وحصول الطاعة وترتيب الثواب، والذي يجب إعتقاده أيضا أنّ الهرولة من أفعاله تعالى الإختياريّة قديمة النوع حادثة الآحاد، والفعل لا يفارق فاعله، فلا فعل بدون فاعل ولا فاعل بدون فعل، كما أنّ هذا الفعل دلالة على قربه تعالى من عبده قربا خاصّا لا عامّا وهو يستلزم قرب الرحمة وقرب الإحسان وقرب الإجابة وقرب المحبّة لأنّ هذه الصفات قائمة بالموصوف لا تفارقه.
17 - وفيه دلالة على أنّ العبد غير المعبود وأنّ الرّبّ غير المربوب، فليس شيئا من ذاته في أوليائه وليس شيئا من أوليائه في ذاته، فالرّبّ ربّ والعبد عبد، وما التّباين بين الفعليْن (المشي والهرولة) إلاّ دلالة على تباين الفاعلَيْن (الخالق والمخلوق) وفيه بطلان قول أهل الحلول والإتّحاد.
18 - ومن زعم أنّ هرولة الرّبّ من جنس الهرولة المعروفة والتي إذا قام بها فاعلها مال إلى الماشي إليه وانصرف عن غيره فقد غلط غلطا بيّنا لقياسه الخالق بالمخلوق والرّبّ بالمربوب،) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ([فاطر: 44]
19 - وهل إذا هرول العبد يتغيّر الجزاء؟ الأولى في مثل هذه المضايق الإعتصام بالنّقول وإلاّ فالقاعدة: أنّ القرب بأقرب منه فضلا من اللّه ونعمة، والعبد لا يزال رابحا على ربّه أفضل ممّا قدّم له، كما أنّ البعد بالبعد لا بأبعد منه وذلك للعدل الإلهي، وأمّا ابن القيّم رحمه اللّه فقد سال قلمه فقال:" وههنا منتهى الحديث منبّها على أنّه إذا هرول عبده إليه كان قرب حبيبه منه فوق هرولة العبد إليه فإمّا أن يكون قد أمسك عن ذلك لعظيم شاهد الجزاء أو لأنّه يدخل في الجزاء الذي لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر أو إحالة له على المراتب المتقدمة فكأنّه قيل له وقس على هذا فعلى قدر ما تبذل منك متقربا إلى ربك يتقرب إليك بأكثر منه وعلى هذا فلازم هذا التقرب المذكور في مراتبه أي من تقرّب إلى حبيبه بروحه وجميع قواه وإرادته وأقواله وأعماله تقرّب الرب منه سبحانه بنفسه في مقابلة تقرّب عبده إليه وليس القرب في هذه المراتب كلّها قرب مسافة حسّية ولا مماسة بل هو قرب حقيقي والرب تعالى فوق سماواته على عرشه والعبد في الأرض وهذا الموضع هو سرّ السّلوك وحقيقة العبودية وهو معنى الوصول الذي يدندن حوله القوم ". (مدارج السالكين ج3 ص272)، سبحانك اللّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
ـ[أبو محمد العدني]ــــــــ[27 - 05 - 08, 08:07 م]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخ (أبو مسلم التكسبتي) على هذا التوضيح، لكن عندي اشكال ولعله في غير محل النقاش ولكن يظل اشكال لي فاتمنى التوضح بارك الله فيك وهو ذكر لفظ الحركة.
وكذلك قوله: كلّها أفعال في الذات للذات.
وجزاك الله خيرا ونفع بك.
قال الدارمي - رحمه اللّه-:" وقد أجمعنا واتّفقنا على أنّ الحركة والنزول والمشي والهرولة والإستواء على العرش وإلى السّماء قديم، والرضى والفرح والغضب والحب والمقت كلّها أفعال في الذات للذات وهي قديمة، فكلّ ما كان من قوله كُنْ فهو حادث، وكلّ ما كان من فعل الذات فهو قديم ". الرد على بشر المريسي ص479 [/ font]
ـ[أبو مسلم التكسبتي]ــــــــ[29 - 05 - 08, 06:04 م]ـ
¥