6 - إنّ هذه الهرولة المقدّسة المباركة لو كانت مطلقة لما اختصّت بالعبد الذي يأتي مشيا في طاعة مولاه، ففي هذا الإختصاص وفي هذه الشرطيّة وبمثل هذه الحيثيّة في السّياق دلالة على أنّ هذا الفعل في مقابل ذاك الفعل، والحديث ناطق بذلك.
7 - النصّ صريح في أنّ هذا الفعل الإختياري من الرّبّ جلّ وعلا يقع على فعل العبد الإختياري فضلا وكرامة، فهو من الفضل لا العدل، وهو صريح لا يحتاج لدلالته على مذهب المبتدعة الباطل أن يخرج عن ظاهره ويُزاد فيه أو يُنقص منه، فإنّ الزيادة والنقصان لا يرتضيه من في قلبه ذرّة من إيمان لأنّه دلالة على التحريف والتغيير وهذا مذهب أهل البدع.
8 - هناك أفعال إختيارية من المخلوق دلّت نصوص شرعيّة على الجزاء الإلهي فيها باختصاصها دون غيرها لأفعال إختياريّة من الخالق جلّ وعلا عدلا أو فضلا، وهدفه الإجرائي في هذا المقام فعل الهرولة، وإلاّ فلو قدر أنّ أحدا لم يأته يمشي لم يحصل منه سبحانه ذلك الدنو إليه بالهرولة واللّه أعلم.
9 - إنّ هذا الفعل الإختياري لا بدّ له من وجود متعلّق من المخلوق، ولذا خلق اللّه في العبد الطّائع فعل المشي إليه سبحانه وتعالى ليظهر أثر هذا الفعل، فما أعظم إحسان الرّبّ الذي وفّقنا للمشي قربة منه ثمّ أكرمنا بقربٍ منه.
10 - الهرولة من الربّ قرب خاص من العابد، وهناك قرب خاص من السّائل والدّاعي) وَإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ([البقرة: 186]، وأمّا قربه تبارك وتعالى من محبّه فنوع آخر وبناء آخر وشأن آخر:" فَإِذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا " أخرجه البخاري، وقد ضعف تمييز خلائق في هذا المقام وساء تعبيرهم. (أنظر بدائع الفوائد ج3 ص519)
11 - الأفعال التي حدثت بعد أن لم تكن لم يكن وجودها قبل وجودها كمالا ولا عدمها نقصا فإن النقص إنما يكون إذا عدم ما يصلح وجوده وما به يحصل الكمال وما ينبغي وجوده ونحو ذلك، والرب تعالى حكيم في أفعاله وهو المقدِّم والمؤخِّر فما قدّمه كان الكمال في تقديمه وما أخّره كان الكمال في تأخيره كما أنّ ما خصّصه بما خصّصه به من الصّفات فقد فعله على وجه الحكمة وإن لم نعلم نحن تفاصيل ذلك واعتبر ذلك بما يحدِثه من المحدثات. (أنظر درء التعارض ج4 ص10).
12 - لو لم يكن في ثواب القرب بالمشي في طاعة اللّه إلاّ الفوز بقرب اللّه وما أراده اللّه وشاءه من ذلك الفعل الرّبّاني الإختياري، لكان في العقل أمر بها أو متوقّع لذلك، ولكن لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع ولا مقرّب لمن باعد ولا مبعّد لمن قرّب،) وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ([الحج: 18] (أنظر الجواب الكافي ج1 ص54).
13 - لحديث الهرولة دلالة بمنطوقه ودلالة بإيمائه وتعليله ودلالة بمفهومه، فدلالته بمنطوقه على هرولة الرّبّ سبحانه بما يليق به، ودلالته بإيمائه وتعليله على أنّ الهرولة جزاء ووعد مستحق بفعل الشرط من مشي العبد في الطاعة بإخلاص ومتابعة وهو السّبب في ذلك، ودلالته بمفهومه على بعد اللّه من غير المطيعين وحرمانهم فعل اللّه الإختياري وما تضمّنه من فضل، فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة، والعلم للّه اللّطيف الخبير.
14 - من العدل التفريق بين الجهمي وبين من وقع تفسيره يضاهي الجهميّة وهو ليس بالجهمي فالأوّل خطأه في الأصل والثاني في الفرع وكلاهما قالا: أنّ الهرولة أوالقرب في النص يعني الإثابة وسرعة المغفرة أو كناية عن كذا، لكن مراد الجهميّ غير مراد غيره ممّن ضاهاه في اللّفظ فإنّ الأوّل ليس عنده قرب ولا تقريب أصلا ولا يثبث فعلا إختياريّا بالمرّة بخلاف الثاني فإنّه يثبت لكن رأى للنصّ منحى آخر فتأوّله،) رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ([غافر: 7].
¥