ولا شك أن من ترك الصلاة تركا كليا وإن كان مسوفا لفعلها لم يأت بالحد الأدنى للإيمان فهو كافر عند الشيخ.
وقال في المجموع (22/ 49):
" فأما من كان مصرا على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلما، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها وهؤلاء تحت الوعيد"ا. هـ
هذا بالنسبة لمن نشأ على ترك الصلاة حتى مات، فلم يصل طيلة عمره، وتكفير شيخ الإسلام له ظاهر، والنصوص الواردة في كفر التارك تشمله بلا إشكال.
وإن كان هذا التارك مظهرا للإقرار بوجوبها والالتزام بفعلها، وإن كان فعلها أحب إليه من تركها لكنه لم يفعل، أو كان يسوف بالفعل ولم يفعل، فهو كافر لأجل تركه.
وكل عبارات شيخ الإسلام المتقدمة تشمل هذه الصورة بلا شك ولا تحتمل استثناءها.
نوع الكفر في هذه الصورة:
لقد أشار شيخ الإسلام في المجموع إلى أن الكفر في هذه الصورة هو من كفر الباطن، وهو أشد من كفر الظاهر فقال (7/ 610) عند كلامه على من ترك الأركان الأربعة، وتعرض من خلالها لمن ترك الصلاة فقط فقال:
" وهذه المسألة لها طرفان:
أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر
والثاني: في إثبات الكفر الباطن
فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ... "
فذكر من ترك الأركان الأربعة ثم عاد للكلام على من ترك الصلاة فقال:
" وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما ...
" وبقي ظهر من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة مثل الطبق لا يستطيع السجود".
فإذا كان هذا حال من سجد رياء فكيف حال من لم يسجد قط؟ "ا. هـ
وقد تقدم أن تارك الصلاة بالكلية لم يأت بالعمل المخصوص في الحد الأدنى للإيمان بنص كلام الشيخ في شرح العمدة (2/ 82 - 86).
وهذا هو الذي بنى عليه شيخ الإسلام الحكم بكفر الباطن كما هو صريح قوله: " فأما الطرف الثاني] وهو كفر الباطن [فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم".
ويكفى أن شيخ الإسلام مثل بتارك الصلاة في تتمة كلامه هذا فتبين المقصود والحمد لله.
ج- صورة من ختم له بالترك الكلي بعد أن كان قد صلى:
هذه الصورة تغاير الصورة السابقة في كون صاحبها قد صلى في أول عمره أو فترة من عمره ثم تركها بالكلية حتى مات، فكانت الخاتمة هي الترك، فهذا يدل على تكفيره من كلام شيخ الإسلام النقل الأول والثاني السابقان في الصورة الماضية وهو قوله: " بين أن تأخيرها عن وقتها من الكبائر وأن تركها بالكلية كفر " ومثله النقل الأخر
فبعد أن ذكر فيهما تأخير الصلاة عن الوقت وبين أنه من الكبائر (والتأخير هو الفعل في غير الوقت) حكم على الصورة الأخرى المغايرة للتأخير وهي عدم الفعل لا في الوقت ولا في غير الوقت وهي الترك مطلقا فعدها من الكفر.
فدل هذا الترتيب على أن حكم الكفر شامل لمن ترك تركا مطلقا وكان قد صلى من قبل، إذ لو لم يشمل هذا لما كان للسياق بهذا الترتيب أي معنى لأن من لم يكن قد صلى من قبل أبدا لا يذكر في مقابل من كان يصلي إلا أنه حصل منه تأخير، لأنه لم يحصل منه فعل، والتأخير إنما هو فعل الشيء في غير وقته، فكيف يقابل من لم يفعل مطلقا بمن يفعل متأخرا
فالأولى بهذا الخطاب من كان يفعل "يصلى" لكنه متهاون من جهة الوقت ثم ترك تركا مطلقا.
لذلك كان كلام شيخ الإسلام السابق دليلا على كفر صاحب هذه الصورة، وهو من قد صلى قبل ثم ترك تركا كليا إلى أن مات ويدل عليه أيضا
قوله في شرح العمدة (2/ 85):
"فأما من لا يصلي قط طول عمره، ولا يعزم على الصلاة، ومات على غير توبة أو ختم له بذلك، فهذا كافر قطعا " ا. هـ
فقوله: " أو ختم له بذلك " صريح في أن المراد من كان يصلي ثم ترك، فكانت الخاتمة الترك.
وأيضا قوله في شرح العمدة (2/ 73) عند تقريره لكفر تارك للصلاة:
" ... لقول الله تعالى (فان تابوا أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) فعلق الأخوة في الدين على التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والمعلق بالشرط ينعدم عند عدمه فمن لم يفعل ذلك فليس بأخ في الدين، ومن ليس بأخ في الدين فهو كافر" ا. هـ
¥