قال ودخل عليه هرثمة (هو ابن أعين جهمي مبتدع) فقال يا هرثمة فى قلبى من قتل أحمد بن نصر فقال يا أمير المؤمنين قطعنى الله إربا إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا
قال ودخل عليه أحمد بن أبى دؤاد (جهمي مبتدع) فقال يا أحمد فى قلبى من قتل أحمد بن نصر فقال يا أمير المؤمنين ضربنى الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا
قال المتوكل: فأما الزيات فأنا أحرقته بالنار ..
وأما هرثمة فإنه هرب وتبدى واجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحى فقال يا معشر خزاعة هذا الذى قتل أحمد بن نصر فقطعوه إربا إربا ..
وأما أحمد بن أبى دؤاد فقد سجنه الله فى جلده .. اهـ
وانظروا رحمكم الله كم مسلما مشى في جنازة أحمد وابن تيمية، وكم مسلما مشى في جنازة جهم بن صفوان والجعد بن درهم وبشرا المريسي وأتباعهم ..
فالحمد لله على نعمة اتباع السلف والتبري من علم الكلام والتأويل والتجهم والتمشعر.
وهذا ما وعدت باهدائه لمحبي شيخ الاسلام من مقدمة ابن حجر لكتاب ابن ناصر الدين الدمشقي:
قال الامام ابن حجر العسقلاني:
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وقفت على هذا التأليف النافع والمجموع الذي هو للمقاصد - التي جمع لأجلها - جامع، فتحققت سعة اطلاع الامام الذي صنفه، وتضلعه من العلوم النافعة، بما عظمه من العلماء وشرفه.
وشهرة امامة الشيخ تقي الدين ابن تيمية أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الاسلام في عصره باق الى الآن على الألسنة الزكية، ويستمر غدا كما كان بالامس ولا ينكر ذلك الا من جهل مقداره، وتجنب الانصاف.
فما اعظم غلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره، ولو لم يكن من الدليل على امامة هذا الرجل الا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه: انه لم يوجد في الاسلام من اجتمع في جنازته مما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين، وأشار الى ان جنازة الامام احمد كانت حافلة جدا شهدها مئات ألوف، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان في بغداد، بل اضعاف ذلك ما تاخر احد منهم عن شهود جنازته _ وأيضا- فجميع من كان ببغداد الا الاقل كانوا يعتقدون امامة الامام احمد، وكان امير بغداد -خليفة الوقت -اذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم، بخلاف ابن تيمية، فكان امير البلد حين مات غائبا. وكان اكثر من في البلد من الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوسا بالقلعة، ومع هذا فلم يتخلف عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف الا ثلاثة أنفس، تأخروا خشية على انفسهم من العامة.
ومع حضور هذا الجمع العظيم، فلم يكن لذلك باعث الا اعتقاد امامته وبركته، لا بجمع سلطان ولا غيره. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: أنتم شهداء الله في الارض.
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء – مرارا - بسبب أشياء أنكروها عليه من الاصول والفروع. وعقد له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق. ولا يحفظ عن احد منهم انه افتى بزندقته، ولا حكم بسفك دمه -مع شدة المتعصبين عليه حينئذ- من اهل الدولة. حتى حبس بالقاهرة ثم بالاسكندرية ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده ووصفه بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصرة الاسلام والدعاء الى الله في السر والعلانية.
والمسائل التي انكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي. وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه، ومع هذا فهو بشر يخطيء ويصيب، فالذي اصاب فيه -وهو الاكثر-يستفاد منه، ويترحم عليه بسببه، والذي اخطأ فيه لا يقلد فيه، بل هو معذور لأن ائمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان اشد المتعصبين عليه والقائمين في ايصال الشر اليه وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني، شهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره.
ومن اعجب العجب: ان هذا الرجل كان اعظم الناس قياما على اهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية، وتصانيفه كثيرة شهيرة وفتاويه في ذلك لا تدخل تحت الحصر. فيا قرة أعينهم اذا سمعوا بكفره، وياسرورهم اذا رأوا من يكفر من لا يكفره.
فالواجب على من تلبس بالعلم وكان له عقل: ان يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة، أو من ألسنة من يوثق به من اهل النقل. فيرد من ذلك ما ينكر، فيحذر منه على قصد النصح
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين الا تلميذه الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف-لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته.
فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم، والتميز في المنطوق والمفهوم ائمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة.
فالذي يطلق عليه - مع هذه الاشياء - الكفر أو على من سماه شيخ الاسلام:لا يلتفت اليه، ولا يعول في هذا المقام عليه، بل يجب رده عن ذلك الى ان يراجع الحق ويذعن للصواب، والله يقول الحق وهويهدي السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال ذلك وكتبه: أحمد بن أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي
وذلك في يوم الجمعة تاسع ربيع الاول سنة خمس وثلاثين وثمانمائه.
والحمد لله أولا وآخرا ..
¥