وإذا قيل العرش في السماء، فالمراد به ما فوق الأفلاك، وإذا قيل الله في السماء، فالمراد بالسماء ما فوق المخلوقات كلها، أو يراد أنه فوق السماء، وعليها فأما أن يكون في جوف السماوات فليس هذا قول أهل الإثبات، أهل العلم والسنة.
ومن قال بذلك فهو جاهل ن كمن يقول: إن الله ينزل ويبقى العرش فوقه،أو يقول إنه يحصره شيء من مخلوقاته، فهؤلاء ضلال كما أن أهل النفي ضلال.
وإن أراد بمسمى الجهة، والحيز والمكان، أمرا معدوما، فالمعدوم ليس شيئا، فإذا سمى المسمى ما فوق المخلوقات كلها حيزا، وجهة، ومكانا، كان المعنى أن الله وحده هناك ليس هناك غيره من الموجودات، لا جهة، ولا حيز، ولا مكان بل هو فوق كل موجود من الأحياز، والجهات، والأمكنة، وغيرها سبحانه وتعالى.
الوجه الثاني: أن يقال لو عارضكم معارض وقال:الجهة وإن كانت موجودة فهي مخلوقة له مصنوعة وهي مفتقرة إليه، وهو مستغن عنها، فإن العرش مثلا إذا سمي جهة، ومكانا، وحيزا، فالله تعالى هو ربه وخالقه، والعرش مفتقر إلى الله، افتقار المخلوق إلى خالقه، والله غني عنه من كل وجه.
فليس في كونه فوق العرش وفوق ما يقال له جهة ومكان وحيز وإن كان موجودا، إثبات شرف لذلك المخلوق أعظم من شرف الله تعالى.
وهذا قد يجيب به من يثبت الخلاء ويجعله مبدعا لله تعالى.
الوجه الثالث أنه إذا كان عاليا على ما يسمى جهة، ومكانا، كان هو أعلى منه فأي شرف، وعلو كان لذلك الموجود بالذات، أو بالعرض، فعلو الله أكمل منه.
الوجه الرابع أن يقال: لا نسلم أن العلو الحاصل بسبب الجهة هو لها بالذات، ولغيرها بالعرض، إذ الجهة تابعة لغيرها سواء كانت موجودة، أو معدومة، وعلوها تبع لعلو العالي بها، فكيف يكون العلو للتابع بالذات وللمتبوع بالعرض.
وقولنا عال بالجهة، مثل قولنا عال بالعلو، وعالم بالعلم، وقادر بالقدرة، أو عال علو المكانة، أو عال بالقهر فليس، في ذلك ما يوجب أن تكون المكانة، والقهر، والعلو والعلم، أكمل من القاهر العالم، العالي ذي المكانة العالية.
ومهما قدر أنه يسمى جهة فإما أن يكون عدما فلا شرف له أصلا، وإما أن يقدر موجودا، إما صفة لله، وإما مخلوقا لله، وعلى التقديرين، فالموصوف أكمل من الصفة، والخالق أكمل من المخلوق.
فكيف تكون الصفات والمخلوقات أكمل من الموصوف الخالق سبحانه وتعالى.
الوجه الخامس أن الجهة قد نعني بها نسبة، وإضافة كاليمين، واليسار، والأمام، والوراء، فالعلو إذا سمي جهة بهذا الاعتبار، كان العالي بالجهة معناه أن بينه وبين ما هو عال عليه نسبة، وإضافة، أوجبت أن يكون هذا فوق هذا، فهل يقال إن هذه النسبة والإضافة التي بها وصف العالي، بأنه عال أكمل من ذاته العالية الموصوفة بهذا العلو والنسبة.
الوجه السادس: أن يقال هذا الذي قاله إنما يتوجه في المخلوق إذا علا على سقف، أو منبر، أو عرش، أو كرسي، أو نحو ذلك، فإن ذلك المكان كان عاليا بنفسه، وهذا صار عاليا لما صار فوقه بسبب علو ذلك.
فالعلو لذلك السقف والسرير والمنبر بالذات، ولهذا الذي صعد عليه بالعرض، فكلامهم يتوجه في مثل هذا.
وهذا في حق الله وهم، وخيال فاسد، وتمثيل لله بخلقه، وتشبيه له بهم في صفات النقص، التي يتعالى عنها، وهؤلاء النفاة كثيرا ما يتكلمون بالأوهام، والخيالات الفاسدة، ويصفون الله بالنقائص ولآفات، ويمثلونه بالمخلوقات، بل بالناقصات، بل بالمعدومات، بل بالممتنعات.
فكل ما يضيفونه إلى أهل الإثبات، الذين يصفونه بصفات الكمال، وينزهونه عن النقائص، والعيوب، وأن يكون له في شيء من صفاته كفو، أو سمي، فما يضيفونه إلى هؤلاء من زعمهم أنهم يحكمون بموجب الوهم، والخيال الفاسد، أو أنهم يصفون الله بالنقائص، والعيوب، أو أنهم يشبهونه بالمخلوقات، هو بهم أخلق وهو بهم أعلق، وهم به أحق فإنك لا تجد أحدا سلب الله ما وصف به، نفسه من صفات الكمال إلا وقوله، يتضمن لوصفه بما يستلزم ذلك، من النقائص، والعيوب، ولمثيله بالمخلوقات، وتجده قد توهم وتخيل أوهاما، وخيالات فاسدة، غير مطابقة، بنى عليها قوله من جنس هذا الوهم والخيال، وأنهم يتوهمون ويتخيلون أنه إذا كان فوق العرش محتاجا إلى العرش كما أن الملك إذا كان فوق كرسيه كان محتاجا إلى
¥