دلالتها على الذات وتختلف في دلالتها على الصفات، وبهذا يعلم أن أسماء الله تعالى دالة على معانيها بالحقيقة اللغوية والشرعية، واسم الفاعل والفعال يصدق على من كان قادرًا على الفعل وإن قُدِّر أنه لم يفعل كما تقدم والله أعلم.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[13 - 04 - 06, 01:57 م]ـ
144 – (13/ 441) قوله: (باب قوله تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين") قال: "وأشار به إلى ترجيح القول بان الرحمة من صفات الذات .... من قال: المراد بالرحمة إرادة إيصال الثواب، وبالغضب إرادة إيصال العقوبة ... ".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 28.
قال الشيخ البراك: السبق يراد به التقدم في الزمان، ويراد به الغلبة. والسبق في الآية الأظهر فيه: المعنى الأول؛ فيكون المراد به سبق القدر بأن النصر والغلبة لرسله وجنده، كما يشهد لذلك قوله تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي".
كما أن السبق في الآية يتضمن المعنى الثاني. والأظهر في سبق الرحمة المعنى الثاني، ويؤيده أن الحديث ورد بلفظ: "إن رحمتي تغلب غضبي".
والرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان: صفة ذاتية، وصفة فعلية، ولا ريب أن الرحمة الذاتية سابقة للغضب في الزمان؛ لأنه سبحانه موصوف بها في الأزل، فيصح أن يقال: لم يزل رحيمًا.
وأما الغضب فهو صفة فعلية، فهو تابع لمشيئته، والأظهر أن الرحمة التي تسبق وتغلب الغضب هي الرحمة الفعلية التي تكون بمشيئته سبحانه.
وأما سبق الكتاب في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فالأظهر فيه هو المعنى الثاني، وإن كان المعنى الأول ثابتًا للكتاب لأن المراد به كتاب القدر. والظاهر أن مراد البخاري بالترجمة هو الاستدلال على أن كلام الله تعالى ورحمته من أفعاله التابعة لمشيئته، وما هذا شأنه لا بد أن يسبق بعضه بعضًا، فوصف بعض كلامه بالسبق يدل على ذلك. وأمره الكوني والشرعي من كلامه سبحانه، وبهذا يتبين الخطأ في قول الحافظ عن البخاري: "وأشار به – أي حديث إن رحمتي سبقت غضبي- إلى أن الرحمة صفة ذاتية".
وقوله: "وقد غفل عن مراده من قال: دل وصف الرحمة بالسبق على أنها من صفات الفعل": فالصواب مع هذا القائل خلافًا للحافظ؛ فهذه الرحمة الموصوفة بالسبق صفة فعلية كما تقدم.
وقد تقدم في غير موضع أن الأشاعرة ينفون حقيقة الرحمة والغضب، وأهل التأويل منهم يفسرونهما بالإرادة - وهو المعنى الذي أشار إليه الحافظ هنا - كما ينفون قيام الأفعال الاختيارية به سبحانه؛ فلذلك قالوا: إن الرحمة صفة ذاتية وهي الإرادة، وإن كلام الله قديم لا يكون شيء منه بمشيئته ولا يسبق بعضه بعضًا، ولذلك استشكلوا وصف الرحمة والكلمة بالسبق كما أشار الحافظ. ومذهب أهل السنة أن جنس كلام الله تعالى لم يزل، وآحاده تحدث تبعًا لمشيئته؛ فلم يزل سبحانه يتكلم بما شاء إذا شاء.
145 - (13/ 449) قال الحافظ: " ... فمن قدر عليه بالمعصية كان ذلك علامة على أنه قدر عليه بالعقاب إلا أن يشاء أن يغفر له من غير المشركين، ومن قدر عليه بالطاعة كان ذلك علامة على أنه قدر عليه بالثواب، وحرف المسألة أن المعتزلة قاسوا الخالق على المخلوق، وهو باطل ... ".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 31.
قال الشيخ البراك: قوله: "فمن قدر عليه بالمعصية كان ذلك علامة .... إلخ": جعل المعصية علامة على العقاب والطاعة علامة على الثواب معناه: أنه لا أثر لهما في الجزاء وإنما مرد الجزاء محض المشيئة من الله تعالى، وهذا قول القدرية الجبرية الجهمية؛ فإن من مذهبهم نفي الأسباب وأنها محض أمارات على ما يحدثه الله سبحانه، ومعنى ذلك أن الله يخلق عندها لا بها؛ فليس عندهم في أفعال الله تعالى باء سبب بل باء المصاحبة، وقد تبعهم الأشاعرة في ذلك، فما ذكره الحافظ من أن الطاعة والمعصية علامة هو من قولهم، وهو راجع إلى قولهم في نفي الأسباب، ومن فروع قولهم في الأسباب: قولهم في أفعال العباد أنها كسب من العباد، والكسب عندهم ما يحدث عند القدرة الحادثة؛ ومعنى ذلك أن فعل العبد يحدث عند قدرته لا بقدرته.
146 – (13/ 453) قال الحافظ: "قال ابن بطال: استدل البخاري بهذا على أن قول الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجودًا به ..... وملخص ذلك، قال البيهقي في كتاب "الاعتقاد": القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفات ذاته ... ".
¥