وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 32.
قال الشيخ البراك: قول ابن بطال: "استدل البخاري بهذا على أن قول الله قديم .... إلخ": تحريف لكلام البخاري عن وجهه، بل استدل البخاري بالآية على أن ما سمعه الملائكة وفزعوا منه كلام الله، وأنه ليس بمخلوق؛ ولهذا قال في وجه الاستدلال: "ولم يقل ماذا خلق ربكم" وفي ذلك رد على من قال: إن كلام الله مخلوق، ولكن ابن بطال وهو من الأشاعرة كما يظهر من سائر كلامه حمل كلام البخاري على مذهبه؛ وهو أن كلام الله قديم مطلقًا، لا يكون شيء منه بمشيئته، وأنه ليس بحرف ولا صوت، وفي هذه الآية وما ورد من الحديث في معناها أبلغ رد على هذا المذهب؛ ففزع الملائكة كان لسماع كلام الله تعالى الذي تكلم به في ذلك الوقت، فإذا زال الفزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ فعلم أنهم سمعوا قول الله تعالى ولم يسمعوا مخلوقًا؛ ولهذا قال البخاري: " ولم يقل: ما ذا خلق ربكم؟ ".
147 - (13/ 458) قال الحافظ: "قال البيهقي: الكلام ما ينطق به المتكلم ... إلى قوله: فسماه كلامًا قبل التكلم به، قال: فإن كان المتكلم ذا مخارج سُمِعَ كلامُه ذا حروف وأصوات، وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك، والباري عز وجل ليس بذي مخارج، فلا يكون كلامه بحروف وأصوات .... ".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 32، حديث جابر.
قال الشيخ البراك: قوله: "قال البيهقي: الكلام ما ينطق به المتكلم ... إلخ": هذا من البيهقي من عجيب القول، وهو يدل على أن الذكي والعالم قد ينبو فهمه فيقع في خطأ فادح. وقد تضمن كلامه - رحمه الله تعالى- أخطاء عدة، أولها وأصلها: نفي أن يكون كلام الله تعالى بحرف وصوت؛ وهذا هو مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى؛ فإن كلام الله عندهم معنى نفسي، وهو مذهب باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة؛ فقد أخبر سبحانه أنه ناجى موسى عليه السلام وناداه، وهذا يدل على أنه كلمه بصوت، وأن موسى سمع كلام الله عز وجل من الله تعالى.
الثاني: دعواه أن الكلام ما يستقر في نفس المتكلم مستدلاً على ذلك بقول عمر رضي الله عنه، والصواب أن الكلام مطلقًا ما يتكلم به المتكلم، وإذا أريد به ما في النفس وجب تقييده كما قال سبحانه: "ويقولون في أنفسهم ... الآية".
الثالث: دعواه أن الكلام لا يسمع إلا من ذي المخارج، ومعناه: أن من ليس كذلك فلا يكون كلامه بصوت، فلذلك لا يسمع منه، وهذا باطل؛ فإن الملائكة يتكلمون بكلام مسموع، ولا يلزم من ذلك أن يكون لهم مخارج. وأيضًا فإن الله تعالى قادر على أن يُنْطِق الجماد، ولا يلزم أن يكون نطقه بمخارج، وقد أخبر سبحانه أنه يُنْطِق الجلود والأسماع والأبصار والأيدي والأرجل، ولا يلزم من ذلك أن يكون بمخارج، وهذا يبطل دعوى أن إثبات الحرف والصوت لكلام الله تعالى يستلزم أن يكون له مخارج مع أن إضافة المخارج إلى الله تعالى مما يجب الإمساك عنه نفيًا أو إثباتًا.
148 - (13/ 458) قال الحافظ: "وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به، ثم إما التفويض، وإما التأويل، وبالله التوفيق".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 32، حديث جابر.
قال الشيخ البراك: قد أحسن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى تعقبه للبيهقي بقوله: "إذ الصوت قد يكون من غير مخارج" وقوله: "وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به".
ولكن يعكر على قوله ذلك قوله بعده: "ثم إما التفويض وإما التأويل". وقد تقدم في أكثر من تعليق أن التفويض والتأويل طريقان للأشاعرة في نصوص ما ينفونه من الصفات.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[14 - 04 - 06, 03:22 م]ـ
149 - (13/ 460) قال الحافظ: "قوله: (فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار) هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق، وقد أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا، ووقع "فينادي" مضبوطا للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور؛ فإن قرينة قوله: "إن الله يأمرك" تدل ظاهرًا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك ... ".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7483، كتاب التوحيد، باب 32.
¥