ـ[زياد عوض]ــــــــ[03 - 01 - 06, 05:17 م]ـ
ذكرنا أن الدهر ليس من أسماء الله وننقل نص فتوى ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/ 491):
سئل شيخ الإسلام رحمه الله: عن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية: بينوا لنا ذلك؟
فأجاب: -
الحمد لله قوله لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر: مروى بألفاظ أخر كقوله: " يقول الله: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار، وفي لفظ: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر، يقلب الليل والنهار:" وفي لفظ: " يقول ابن آدم يا خيبة الدهر وأنا الدهر "
فقوله في الحديث " بيدي الأمر أقلب الليل والنهار " يبين أنه ليس المراد به أنا الزمان فإنه قد أخبر أنه يقلب الليل والنهار والزمان هو الليل والنهار: فدل نفس الحديث على أنه هو يقلب الزمان ويصرفه كما دل عليه قوله تعالى: (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، يقلب الله الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار) وإزجاء السحاب سوقه والودق المطر 0
فقد بين سبحانه خلقه للمطر وأنزاله على الأرض فإنه سبب الحياة في الأرض فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي، ثم قال: " يقلب الله الليل والنهار " إذ تقليبه الليل والنهار: تحويل أحوال العالم بإنزال المطر، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن، وذلك سبب تحويل الناس من حال إلي حال، المتضمن رفع قوم وخفض آخرين 0
وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع كقوله: (وجعل الظلمات والنور) وقوله: (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) وقوله: (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً) وقوله: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب) و غير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان 0
ولا يتوهم عاقل أن الله هو الزمان فإن الزمان مقدار الحركة والحركة مقدارها من باب الأعراض والصفات القائمة بغيرها: كالحركة والسكون والسواد والبياض 0
ولا يقول عاقل أن خالق العالم هو من باب الأعراض والصفات المفتقرة إلي الجواهر والأعيان، فإن الأعراض لا تقوم بنفسها، بل هي مفتقرة إلي محل تقوم به، والمفتقر إلي ما يغايره لا يوجد بنفسه، بل بذلك الغير فهو محتاج إلي ما به في نفسه من غيره فكيف يكون هو الخالق؟
ثم أن يستغني بنفسه، ,أن يحتاج إليه ما سواه، وهذه صفة الخالق سبحانه، فكيف يتوهم أنه من النوع الأول 0 وأهل الإلحاد – القائلون بالوحدة أو الحلول أو الإتحاد – لا يقولون أنه هو الزمان، ولا أنه من جنس الأعراض والصفات، بل يقولون هو مجموع العالم، أو حال في مجموع العالم 0
فليس في الحديث شبهة لهم، لو لم يكن قد بين فيه انه – سبحانه –
مقلب الليل والنهار، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار 0
إذا تبين هذا: فللناس في الحديث قولان معروفان لأصحاب أحمد وغيرهم 0
أحدهما: وهو قول أبي عبيد وأكثر العلماء أن هذا الحديث خرج الكلام فيه لرد ما يقوله أهل الجاهلية، ومن أشبههم، فإنهم إذا أصابتهم مصيبة أو منعوا أغراضهم أخذوا يسبون الدهر والزمان، يقول أحدهم قبح الله الدهر الذي شتت شملنا، ولعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا 0
وكثيراً ما جري من كلام الشعراء وأمثالهم نحو هذا، كقولهم: يا دهر فعلت كذا. وهم يقصدون سب من فعل تلك الأمور، ويضيفونها إلي الدهر، فيقع السب على الله تعالى: لأنه هو الذي فعل تلك الأمور وأحدثها والدهر مخلوق له، هو الذي يقلبه ويصرفه 0
والتقدير: أن أبن آدم يسب من فعل هذه الأمور وأنا فعلتها فإذا سب الدهر فمقصودة سب الفاعل وإن أضاف الفعل إلي الدهر، فالدهر لا فعل له، وإنما الفاعل هو الله وحده 0
¥