وهذا كرجل قضى عليه قاض بحق أو أفتاه مفت بحق، فجعل يقول: لعن الله من قضى بهذا أو أفتي بهذا، ويكون ذلك من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم وفتياه فيقع السب عليه، وأن كان الساب – لجهله – أضاف الأمر إلي المبلغ في الحقيقة، والمبلغ له فعل من التبليغ بخلاف الزمان فإن الله يقلبه ويصرفه 0
والقول الثاني: قول نعيم بن حماد، وطائفة معه من أهل الحديث
والصوفية: إن الدهر من أسماء الله تعالى ومعناه القديم الأزلي
ورووا في بعض الأدعية: يا دهر!! يا ديهور!! يا ديهار وهذا المعنى صحيح: لأن الله سبحانه هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء فهذا المعنى صحيح إنما النزاع في كونه يسمى دهراً بكل حال فقد اجمع المسلمون – وهو مما علم بالعقل الصريح – أن الله سبحانه وتعالي ليس هو الدهر الذي هو الزمان، أو ما يجرى مجرى الزمان فإن الناس متفقون على أن الزمان الذي هو الليل والنهار 0
وكذلك ما يجرى ذلك مجرى ذلك في الجنة، كما قال تعالى: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً قالوا على مقدار البكرة والعشى في الدنيا و [في] للآخرة يوم الجمعة يوم المزيد، قد روى أنها تظهر من تحت العرش، فالزمان هنالك مقدار الحركة التي بها تظهر تلك الأنوار 0
وهل وراء ذلك جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر؟ هذا مما تنازع فيه الناس فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أفلاطون، كما أثبتوا الكليات المجردة في الخارج التي تسمى المثل الأفلاطونية (1) والمثل المطلقة وأثبتوا الهيولى (2) التي هي مادة مجردة عن الصور وأثبتوا الخلاء جوهراً قائماً بنفسه 0
(1) المثل الأفلاطونية هي أكثر المذاهب الفلسفية شيوعاً وهي حقائق كلية ثابتة موجودة بالفعل في رأى أفلاطون – وجوداً خارجياً في عالم غير محسوس وأنه هو الأصل وأما الأشياء الموجودة مجرد صور أو صدى لهذه المثل 0
انظر مدخل إلي الفلسفة د 0 إمام عبدالفتاح ص254، الفكر الفلسفي د 0 محمد نصار ص97 0
(2) الهيولي:
في كلام المتكلمين: أصل الشيء، فإن يكن من كلام العرب فهو صحيح الاشتقاق ووزنه فيعولى، أولاً – الصواب أنه لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة وفي الاصطلاح: جوهر في الجسم قابل لما يعرض له من الاتصال والانفصال ا0هـ من المزهر للسيوطي (1/ 277) 0
================================================== ================================================== =============================
ص7
================================================== ================================================== ===========================
وأما جماهير العقلاء من الفلاسفة وغيرهم: فيعلمون ان هذا كله لا حقيقة له في الخارج، وإنما هي أمور يقدرها الذهن ويفرضها فيظن الغالطون أن هذا الثابت في الأذهان هو بعينه ثابت في الخارج عن الأذهان كما ظنوا مثل ذلك في الوجود المطلق، مع علمهم أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الذهن وليس في الخارج إلا شيء معين وهى الأعيان، وما يقوم بها من الصفات فلا مكان إلا الجسم أو ما يقوم به، ولا زمان إلا مقدار الحركة، ولا مادة مجردة عن الصور بل ولا مادة مقترنة بها غير الجسم إلي يقوم به الأغراض، ولا صورة إلا ما هو عرض قائم بالجسم أو ما هو الجسم يقوم به العرض وهذا وأمثاله مبسوط في غير هذا الموضع ا0هـ0
ويقول أبو عبيد القاسم بن سلام العدوي في غريب الحديث (2/ 145)
قوله: إن الله هو الدهر وهذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين وقد رأيت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحتج بهذا الحديث ويقول: ألا تراه يقول: فإن الله هو الدهر! فقلت: وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر؟
و تاويله عندى – والله أعلم – أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم الدهر، فيجعلونه الذي يفعل فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم قال الشاعر يذكر قوماً هلكوا:
فاستأثر الدهر الغداة بهم
يا دهر قد أكثرت فجعتنا
وسلبتنا ما لست تعقبنا ****
******** والدهر يرميني ولا أرمى
بسراتنا ووقرت في العظم
يا دهر ما أنصفت في الحكم
وقال عمرو بن قميئة:
¥