ما روى ابنُ أبي حاتم وشيخ الإسلام بأسانيدها أن هشام بن عبيد الرازي، صاحب محمد بن الحسن قاضي الري حبس رجلاً في التجهّم، فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه.
فقال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه، فقال: ردوه إلى الحبس، فإنه لم يتب.
وسيأتي قول الطحاوي عند أقوال أهل الحديث.
قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه اللّه تعالى: ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن أحمد أن ابن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا شريح بن النعمان قال: حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان.
قال: وقيل لمالك " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى " كيف استوى؟.
فقال مالك رحمه اللّه تعالى: استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء.
وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده: قال يحيى بن إبراهيم الطيلطلي في كتاب سير الفقهاء وهو كتاب جليل غزير العلم: حدثني عبد الملك بن حبيب، عن عبد الله بن المغيرة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: اللّه هو الدهر، وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي للّه، وإنما يرغم أنف الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: واللّه حيث كان، أو أن الله بكل مكان.
قال أصبغ: وهو مستو على عرشه؟ وبكل مكان علمه وإحاطته. وأصبغ من أجل أصحاب مالك وأفقههم.
ذكر قول أبي عمر الطلمنكي: قال في كتابه في الأصول: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن اللّه استوى على عرشه بذاته.
وقال في هذا الكتاب أيضاً: أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز ... ثم ساق بسنده عن مالك قوله: اللّه في السماء وعلمه في كل مكان.
ثم قال في هذا الكتاب: وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: " وهُوَ مَعَكُم أيْنَما كُنْتُم " سورة الحديد آية 4. ونحو ذلك من القرآن بأن ذلك علمه، وأن اللّه فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء. وهذه القصة في كتابه.
قول الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر إمام السنة في زمانه رحمه اللّه تعالى: قال في كتاب التمهيد في شرح الحديث الثامن لابن شهاب، عن ابن سلمة، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له؟ ": هذا الحديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد لا يختلف أهلُ الحديث في صحته، وفيه دليل على أنّ اللَّهَ عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إنّ اللّه في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة ما قال أهلُ الحق في ذلك قوله تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوى " سورة طه آية 5.
وقوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْش ما لَكُم مِن دُونهِ من وليٍّ وَلا شَفِيعٍ أفَلا تَتَذكّرون " سورة السجدة آية 4.
وقوله تعالى: " ثُمَّ اسْتَوى إلى السِّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ " سورة فصلت آية 11.
وقوله تعالى: " إذاً لابْتَغَوْا إلى ذي العَرْش سَبيلاً " سورة الإسراء آية 42.
وقوله تبارك اسمه: " إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ". سورة فاطر آية 10.
وقوله تعالى: " فلمّا تجَلّى ربُّهِ للجَبَل جَعَلهُ دَكّاً " سورة الأعراف آية 143.
وقوله تعالى: " أأَمِنْتُم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ " سورة الملك آية 16.
وقوله تعالى: " سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى " سورة الأعلى آية 1. وهذا من العلو.
¥