وهو يرد ما يحدث من أشباه ذلك إلى الاتفاق والمصادفة ويعتقد أن التقوى هي السبيل إلى الكرامة، إذ يروي ما قاله القاضي أو حمد المروزي في أن التقوى هي السبيل إلى الكرامة "السبب أولى من النسب، والسبب التقوى، وبها تظهر الكرامة" قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
7 - من أساس التصوف الزهادة في المال والجاه ومتاع الدنيا، والقناعة بالنزر الذي يحفظ الحياة، والرضا بشظف العيش، وضيق الميد
ولكن أبا حيان كان ساخطاً على حظه، وكان متبرماً بفقره، وكان كثير الشكوى من بؤسه، وكان دائب الاتصال بالوزراء لينال منهم.
8 - على أن أبا حيان يوافق الصوفية في أنه كان صوفيّ السمت والهيئة كما وصفه ياقوت، وقد صرح له أبو الوفاء المهندس، بأن منظره وبزَّته وملابسه لا تؤهله للاتصال الوزراء. قال له أبو الوفاء المهندس: "أتظنن بغمارتك وذهابك في فسولتك التي اكتسبتها بمخالطة الصوفية والغرباء والمجتدين الأدنياء الأردياء، أنك تقدر على مثل هذا الحال –يريد قطيعته له وتهديده بالعقاب- وأنام منك على حسن الظن بك؟ ".
وهكذا يبدو أبو حيان في رداء المتصوفة، رث الهندام، قصير الذيل، زري الهيئة، كما سجل هو نفسه ما وصفه به أبو الوفاء المهندس، ينطبق عليه وصف ابن عبدالعزيز السوسي لنفسه في قوله:
سلكت في مسلك التصوف تنميـ ـاً فكم للذيول قصرت
سويت سجادة بيوم وأخفيـ ـت سبالاً قد كنت طولت
ولقد يخطر بالبال أن أبا حيان كان طلعةً إلى المال وإلى الشهرة فكيف يتفق هذا مع التصوف؟
والحق أنه كان يأخذ نفسه بقدر من التصوف –قبل أن يعتزل الناس ويندمج في المتصوفة- ليس فيه إغراق ولا مغالاة، ولهذا تطلع إلى أن يعيش كما يعيش كثير من العباد الذين يستمتعون بما أحل الله في غير إسراف ولا مخيلة.
ومعنى هذا أنه لم يجف الدنيا كما جفاها كثير من المتصوفة المغرقين في تصوفهم، ولم يحظر على نفسه خيراتها مثلما حظروا.
وكأنما كان سلوكه هذا تمهيداً لما ذكره ابن الجوزي فيما بعد، إذ عقد فصلاً بعنوان (حماقة الصوفية في كراهية الدنيا) فنَّد فيه دعوى الذين يحرمون على أنفسهم متاع الدنيا بدعوى الزهد والتصوف.
ومما ذكره في الرد عليهم أن الأرض وما عليها من ماء وزرع وحيوان، كله لصالح الناس، وفيه حفظ حياتهم، وبقاء البشر سبب لمعرفتهم ربهم وطاعتهم إياه، والذي يوصلهم إلى البقاء يمدح ولا يذم.
طعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
و السبب الرسالة التي ادعى أبو حيان أن أبا بكر وعمر أرسلاها إلى علي حينما تأخر عن بيعة أبي بكر، فجاء علي وحاورهما وحاوراه، وكان أبو عبيدة بن الجراح حامل الرسالة الشفهية إلى علي.
1 - وهي رسالة طويلة ذكر أبو حيان أنه سمعها من القاضي أبي حامد المرورزي رواية عن عيسى بن دأب، عن صالح بن كيسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة ابن الزبير، عن أبي عبيدة بن الجراح، مع اختلاف في سلسلة الرواة في بعض مراجع الرسالة.
2 - أما الذين نفوها فهم الذهبي وابن حجر وابن أبي الحديد والسندوبي وزكي مبارك.
ذكر الذهبي عن جعفر بن يحيى الحكاك أنه سمع من أبي النصر الشجري أنه سمع الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر –مع أبي عبيدة إلى علي - على أبي حيان، فقال لي: هذه الرسالة عملتها رداً على الرافضة، لأنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء، ويغالون في حال علي، فعملت هذه الرسالة، وعلق الذهبي على هذا بقوله: فقد اعترف بوضعها.
وأنكرها ابن حجر، واتهم أبا حيان بوضعها.
3 - والذي أراه أن الرسالة موضوعة، ولست أشك في أنها مصنوعة، لكن من ذلك الذي وضعها؟
أهو القاضي أبو حامد؟ أم أبو حيان؟ كلا الفرضين محتمل.
على أنها لا تخلو من طعن في أبي بكر وعمر، وعن طريق غير مباشر، لأنها تصورهما شتّامين لعلي، متخوفين من تخلفه عن البيعة، ظالمين له في تعنيفه واتهامه.