تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نراهم قد قاموا بما أوجبه الله عليهم لإنقاذ قومهم من الضلال، ولرد الأفئدة إلى رشدها، فنراهم يقولون محذرين ومذكرين وقد اغتر قوم بقارون وثروته ومراكبه وزينته، يقولون لأقوامهم: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص: 80].

ونرى مكارم الأخلاق أيضًا متجلية في هذه السورة الكريمة:

- فنرى المروءة والشهامة والنجدة في تصرف موسى؛ إذ سقى للمرأتين من غير شط ولا طلب أجر.

- ونرى الحياء وقد كسيت به المرأة ابنة العبد الصالح.

- تقرأ صفات الذين صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة، وأنفقوا مما رزقهم الله، نراهم: ( ... وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لا نبتغي الجاهلين) [القصص: 55].

وفي ثنايا هذه السورة المباركة لفتات طيبة في أبواب الفقه والتعامل مع الناس:

- كعرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه السلام للزواج بها، وهكذا يفعل الفضلاء مع أهل الصلاح.

- ومن ذلك أيضًا مشروعية الإجارة، والإشارة إلى أن الكسب من عمل اليد أولى من التسول ومد اليد.

- ثم تختم السورة الكريمة بالحث على الدعوة إلى الله والإقبال عليه، والإعراض عن الشرك وعن مظاهرة المشركين.

- ثم بيان وحدانية الله -عز وجل-، وأن لا إله إلا هو، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه المرجع والمآب.

.... وفي الجملة: فإن السورة الكريمة فيها بيان للحياة الدنيا بإيجاز واختصار، وأن الإنسان خلق فيها في كبد ومشقة، وأنها لا تثبت لأحدٍ على حال، فحتى أهل الفضل والصلاح يعتريهم الخوف والرجاء ولكن دائمًا: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5].

وأيضًا فأهل النعيم في هذه الحياة الدنيا لا يثبت لهم فيها نعيم ولا يدوم؛ فالعباد دومًا يركبن طبقًا عن طبق، وقد خلقهم الله أطوارًا، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس، فيوم يُبتلى فيه الناس، ويوم يسعدون، ويوم لهم ويوم عليهم، وهذا عزيز يومه هذا وغدًا ذليل، وهذا حقير ووضيع وغدًا عزيز وكريم، يعز ربي من يشاء ويذل ويخفض ربي من يشاء ويرفع, له الخلق وله الأمر، ثم الهلاك لاحق بكل شيء، وكل شيء هالك إلا وجهه.

وهذا الذي ذكرناه في هذه المقدمة غيض من فيض من فوائد هذه السورة المباركة الميمونة، فنترك القارئ ينظر في ثناياها، ويقف على معانيها، سائلين الله -سبحانه وتعالى- التوفيق لجميع المسلمين، وأن يرفع راية الإسلام والمسلمين عاليةً خفاقة.

وصل اللهم على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا

كتبه

أبو عبد الله

مصطفى بن العدوي شلباية


(1) أخرجه البخاري (حديث 3405)، ومسلم (حديث 1062).

(2) أخرجه البخاري (حديث 3)، ومسلم (حديث 160).

(3) مسلم (2874).

(4) انظر كتابنا: " التسهيل ": تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {والله أركسهم بما كسبوا} ففيها شيء حول هذا. [النساء: 88].

(5) البخاري (حديث 4750)، ومسلم (حديث 2770) واللفظ له.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير