- فها هو الذي كان يذبح الأبناء ويستحيي النساء ويقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ([النازعات: 24]، ويقول:) يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]. ها هو يُنبَذ وجنوده في اليم، ويجعله الله آية وعبرة لمن خلفه.
- وها هو قارون الطاغي الباغي بماله وخزائنه، المختال في زينته تُخسَف به وبداره الأرض.
ولا يظن ظان أن الانتقام قاصر على فرعون وهامان وقارون فحسب، بل هو عام على كل ظالم.
- فها هي القرى الظالمة عمومًا يدمرها الله عز وجل: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِين) [القصص: 58].
وقال تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) [الأعراف: 4]
فسبحان من يعز ويذل، ويرفع ويخفض ويقبض ويبسط.
نرى في هذه السور ة الكريمة آيات بينات يُطمئن الله بها نفوس عباده وبها تتأكد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
- من ذلك قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [القصص: 44].
- وقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين) [القصص: 45].
- وقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) [القصلى الله عليه وسلم: 46].
فهذه آيات بينات نيرات تدل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتبين صدقه، فلم يكن في هذه الأماكن أثناء هذه الأحداث، ومع كونه كان أُميًا لكنه قص على أصحابه هذه القصة أجمل اقتصاص صلوات الله وسلامه عليه.
نرى في هذه السورة الكريمة جبلات البشر التي جُبلوا عليها، من اليقين، والضعف والخوف والاغترار والكبر والتطاول والشهامة والمروءة، والتهافت والتهاوي والثبات والاعتصام، إلى غير ذلك مما جُبِل عليه البشر.
- فنرى أم موسى عليها السلام يتسرب إليها الخوف والحزن بل وأصبح فؤادها فارغًا من كل شيء إلا من ذكر موسى عليه السلام، لكن يطمئنها ربها وبربط على قلبها لتكون من المؤمنين.
- نرى نبي الله موسى عليه السلام، وقد خرج من المدينة خائفًا يترقب وأيضًا، فلما رأى العصى تهتز كأنها جان ولى مدبرًا ولم يُعقِب، وكذلك نقرأ قوله: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [القصص: 34].
ومع ذلك كله؛ نراه معتصمًا بالله مكثرًا من ذكر الله، نتعلم منه كيف نكثر من الذكر والشكر والاستغفار.
- فتقرأ قوله: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص: 16].
- وقوله: (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص:17].
- وقوله: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [القصص: 21].
- وقوله: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) [القصص: 22].
- وقوله: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 24].
فسبحان الله، ما أجمل ذكر الله وما أحسنه! به تطمئن القلوب، ويسكن الفؤاد، وتنزل السكينة، وترتفع الدرجات في عليين.
- نرى في هذه الصورة الكريمة أهل الدنيا الذين يريدونها، وكيف تتجه أنظارهم إلى قارون وقد خرج في زينته مختلاً في مشيته وهم يقولون متهافتين: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79]، ولكنهم سرعان ما قالوا متراجعين: (لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص: 82].
- نرى أيضًا أهل العلم العاملين به، الذين يرجون ثواب الله، الذين جعلهم الله منارات خير على الدوام، ودلالات هدى في كل زمان ومكان.
¥