1 - أبرزُ ما في أمرِ زكريا في قصةِ القرآنِ عنهُ هوَ كِبَرُهُ: "وقدْ بلغتُ منَ الكِبَرِ عِتِيّاً"؛ فقدْ وهنَ عظمُهُ، واشتعلَ رأسُهُ شيْباً.
2 - موضوعُ الرحمةِ هوَ "يحيى" الذي كانَ أولَ إنسانٍ حظيَ بهذا الاسمِ: "إنَّا نبشّرُكَ بغلامٍ اسمُهُ يحيى لمْ نجعلْ لهُ منْ قبلُ سَمِيّاً".
3 - وأظهرُ ما في "يحيى" أنّهُ كانَ ذا علمٍ وهوَ صبيٌّ: "وآتيْناهُ الحُكمَ صبيّاً"؛ والحكمُ يؤتى للأنبياءِ مقترناً معَ العلمِ. فقدْ جاءَ في حقِّ يوسُفَ: "ولمّا بلغَ أشُدَّهُ آتيْناهُ حُكْماً وعلماً وكذلكَ نجزي المحسنينَ"، وقدْ جاءَ في حقِّ موسى: "ولمّا بلغَ أشُدّهُ واستوى آتيْناهُ حُكْماً وعلماً وكذلكَ نجزي المحسنينَ" (القصص: 14)، ويحيى بلا ريْبٍ قد كانَ منَ المحسنينَ. ولا شكَّ في أنَّ قصةَ زكريّا تذكّرُنا بقصةِ تبشيرِ اللهِ تعالى لإبراهيمَ الشيخِ الكبيرِ بإسماعيلَ الغلامِ العليم، فهيَ مشابهةٌ لها في ثلاثةِ جوانبَ: "قالوا لا توْجَلْ إنّا نبشّركَ بغلامٍ عليمِ" (الحجر: 53). وفي سورةِ الصافاتِ يدعو إبراهيمُ ويُستجابُ لهُ: "هَبْ لي منَ الصالحينَ (100) فبشَّرْناهُ بغلامٍ حليمٍ (101) .. فالصلاحُ لا بدَّ لهُ من العلمِ والحلمِ: "فنادتْهُ الملائكةُ وهوَ قائمٌ يصلّي في المحرابِ أنَّ اللهَ يبشِّرُكَ بيحيى مصدِّقاً بكلمةٍ منَ اللهِ وسيّداً وحَصوراً ونبيّاً من الصالحين" (آل عمران: 39).
أجلْ:
إنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالكافِ في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "كبير":"إنّي وهَنَ العظمُ مِنّي واشتعلَ الرأسُ شيْباً"، "وقد بلغتُ منَ الكِبَرِ عِتِيّاً" .. "قالَ ربِّ أنّى يكونُ لي غلامٌ وقدْ بلغنيَ الكِبَرُ وامرأتي عاقرٌ؟ قالَ كذلكَ اللهُ يفعلُ ما يشاءُ" (آل عمران: 40).
وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالهاء في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "هدي"، منَ الهديّةِ والعطاءِ والهبة؛ فقدْ دعا اللهَ تعالى أنْ يهبَهُ، فوهبَهُ ذلكَ الغلامَ العليمَ هبةً منهُ، جعلَهُ هدْياً لهُ، أيْ هديّةً عظيمةً. ويجبُ أنْ ننتبهَ إلى أنَّ الفعلَ "هدى" يأتي بمعنى: آتى، وأعطى، وأهدى إلى. ويقالُ في العربيّةِ: هدى و هدّى، وكلاهما بمعنى: أهدى إلى، وهبَ، وآتى. فلا يستغربنَّ أحدٌ هذا التقديرَ: "كبيراً هديْناهُ يحيى عليماً صبيّاً" بسببِ غيابِ "إلى" من بعدِ الفعلِ "هدى". والمعنى هوَ: قدْ هدى اللهُ تعالى إلى زكريّا على حالِ كبرِهِ يحيى العليمَ في صباهُ.
حقّاً، فلا ريْبَ أنَّ اللهَ تعالى قد استجاب له فهداه ما طلبَ في ندائِهِ.
وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالياءِ في قصةِ زكريّا نفسِها هيَ كلمةُ "يحيى"؛ فهوَ مدارُ القصةِ، وهوَ أوّلُ مَنْ حملَ هذا الاسمَ من البشرِ.
وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالعين في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "عليم"؛ فقد طلبَ زكريّا الغلامَ ليرثَ العلمَ في الكتابِ: "يرثُني ويرثُ من آلِ يعقوبَ".
حسناً، لقدْ طلبَ زكريّا أنْ يهبَهُ اللهُ تعالى غلاماً يرثُ العلمَ: "يرثُني ويرثُ منْ آلِ يعقوبَ"؛ فالأنبياء يورِّثونَ العلمَ: "يا يحيى خُذِ الكتابَ بقُوّةٍ وآتيْناهُ الحكمَ صبيّاً".
وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالصادِ في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "صبيّ"؛ فهيَ حالُ يحيى حينما أوتيَ العلمَ.
أجلْ، على حالٍ منْ كِبَرِ زكريّا هداهُ اللهُ تعالى غلاماً عليماً في صباهُ: (كبيراً هديْناهُ يحيى عليماً صبيّاً). فهذا هوَ ملخّصُ قصّتِهِ. وهذا هوَ اختزالُها: "كهيعص". ونتركُكَ الآنَ معَ نورِ السورةِ تتفكّرُ في اختزالِ وإجمالِ وتفصيلِ قصةِ زكريّا، على رسولِنا وعليه وابنِهِ السلام، وتتدبّرُ آملينَ أنْ تصلَ إلى تأييدِ تقديرِنا:
بسم الله الرحمن الرحيم
"كهيعص (1) – هذا هوَ الاختزالُ أيْ صُفاوةُ الخلاصةِ- (كبيراً هديْناهُ يحيى عليماً صبيّاً).
"ذكرُ رحمةِ ربِّكَ عبْدَهُ زكريّا (2) - وهذا هوَ الإجمالُ -
¥