قول مسلمة بن مخلد الأنصاري، و قد ذكره معلقا بعد حذف إسناده المثبت في كتاب الإتقان للسيوطي، و هو من رواية أبي عبيد القاسم ابن سلام قال: حدثنا ابن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي سفيان الكلاعي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف، فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال ابن مسلمة: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون". "والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".
ـ[بدر العمراني]ــــــــ[28 - 12 - 06, 05:06 م]ـ
و هذا خبر منكر، و إسناده فيه علل:
الأولى: عبد الله ابن لهيعة و قد تقدم الكلام فيه.
الثانية: أبو سفيان الكلاعي، لا تعرف له ترجمة، حسب اطلاعي، من خلال البحث في أغلب كتب الرجال المتاحة لدي.
الثالثة: مسلمة بن مخلد الأنصاري مختلف في صحبته، أثبتها له ابن السكن و نفاها عنه أحمد بن حنبل. و أبو الكنود سعد بن مالك صحابي. فكيف يعرف الآيتين مسلمة التابعي أو الصحابي الصغير، و لا يعرفها سعد الصحابي.
الرابعة: فساد نظم هاتين الآيتين، و عدم مشابهته لفظ كلام الله الفصيح:
* في الآية الأولى: أقحم حرف "ألا" الدال على افتتاح الكلام، ليفصل الجملة الإسمية عن خبرها (أي: خبر "إن").
و "ألا" دائما تأتي بعد إتمام الكلام السابق معنى و إعرابا، لتفيد إخبارا أو تنبيها أو تقريعا .. و من الأمثلة على ذلك ما جاء في قوله تعالى:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) البقرة.
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) المجادلة
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الأنعام
إلى غير ذلك من النظائر و الأمثلة في هذا الباب.
و انظر إلى هذا النظم السلس و تدبره: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) البقرة.
و قارنه بالآية المذكورة في خبر مسلمة. لتدرك الفرق بين الأسلوبين.
ـ[بدر العمراني]ــــــــ[28 - 12 - 06, 05:07 م]ـ
* و في الآية الثانية: اسْتُعْمِلَ أسلوبٌ في حشو ممل و تكرار لضمائر دون داع لإثباتها، في حين أن أسلوب القرآن في مثل هذه المواطن ينتهج طريقة الحذف و الاختصار مع الإشارة و الإلماع؛ كما سيتضح في الآيات الآتية. و انظر في هذا الصدد "كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري*.
و قارن أيضا نظم الآيتين المذكورتين عن مسلمة، بنظم الآيات الآتية من سورة الأنفال، لتدرك صواب النقد الموجه:
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ
¥