تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قالت النجدات إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين وفى هذا بيان خطأ الكعبى في حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم. وإنما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا الحسن رحمه الله من تكفيرهم علياً وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوبهما أو صوب أحدهما أو رضى بالتحكيم) (11) أهـ.

نحن نلحظ في هذا النص الآتي:

أ ـ أن الكعبي جعل تكفير مرتكبي الذنوب مما أجمع عليه الخوارج القدامي.

ب ـ أن أبا الحسن لم يرض منه ذلك، يعني إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب.

جـ ـ استدلال البغدادي بأمرين:

الأول: أن النجدات لا تكفر أصحاب الكبائر إذا كانوا منهم؛ يعني لم يكن من ديار مخالفيهم.

الثاني: أن هناك فرقة من الخوارج تفرق بين الذنوب، وحقيقة مذهب هذه الطائفة كما سيأتي في كلام أبي الحسن، أنها تكفر بترك بعض الأعمال التي لا تختص بها الخوارج كترك الصلاة والصيام، والتكفير بهذا أقوال عند أهل السنة.

د ـ رجح البغدادي قول أبي الحسن على قول الكعبي، في أن التكفير بالذنوب ليس مما اجتمع عليه الخوارج الأولون.

فهذا إذن ظاهر بأن التكفير بالكبيرة مما اضطرب فيه رأي الخوارج الأولون، وأنه ليس مما اجتمعوا عليه.

وقد أقر ذلك العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي قال: " ومن أصولهم- أيضًا-: التكفير بالكبائر، فمن ارتكب كبيرة فهو كافر. وتخليد من ارتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين. ولذا سموا وعيدية " (12) أهـ.

هـ ـ لم يأت فيما اجتمع عليه الخوارج، أنهم كفروا كل أحد في الدار. وفي هذه المسألة تفصيل، وأكثر رأيهم على أن أهل ديار مخالفيهم خلط، وهي نفس نظرية مجهول الحال التي قال بها في هذا العصر عبد المجيد الشاذلي، وسيد إمام، وإن كان الأول أكثر توسعاً من الثاني.

و ـ أما ما نقل عن تفرقتهم في التكفير بالكبائر بين موافقيهم ومخالفيهم، فهذا جار على الأصل العام للخوارج في الربط بين حكمهم على الراية التي تعلو ديار مخالفيهم وبين من تحتها، وهذا وصف عام لجميع فرق الخوارج على امتداد الزمان.

بل وهناك من المعاصرة من يربط بين الراية التي تعلو الدار وبين المعاصي التي ترتكب تحتها إذا كانت مندرجة تحت قاعدة قانونية تحميها. فيجعلها من الكفر.

يقول عبد المجيد الشاذلي: " الطاعة في التشريع لها حكم التشريع، وحكم التشريع كفر " (13) ويقول قبل ذلك: " وختاماً نقول: إن قبول التحريم والتحليل أو غير ذلك من أحكام التلكيف يثبت ويترتب ويتحقق بالطاعة في جزئية من جزئيات التشريع، لأنه بطاعته له فيها يعطي هذا الذي أطاعه حق التشريع له وممارسته سلطان التكليف عليه إلا في حالات الإكراه بضوابطها الشرعية.

ولا يهم أن يحل المكلَف ويحرم بتحليل المكلِف وتحريمه، بل المهم أن يطيعه في هذا التحريم والتحليل مما يخرجه فيه عن داعية هواه بقاعدة عامة ومجردة لها صفة القانون وأن يتبعه فيه، وأن يخضع لمقتضيات هذا التحليل والتحريم والإيجاب والوضع بموجب دخوله في عموم المخاطبين بهذا التشريع، أما بالنسبة لارتكاب معصية استجابة لغواية ووسوسة على مقتضى هواه واسترساله الطبيعي فلا يثبت بها ولا يتحقق قبول التحريم والتحليل " (14) أهـ.

فالذي يأكل الربا أو يمارس الزنا المندرج تحت قاعدة قانونية تحميه مطيع في تحليل وتحريم، وهذا كفر، وإن لم يحل هو أويحرم وهذا قوله " ولا يهم أن يحل المكلف ويحرم " بخلاف الذي يفعل ذلك إذا كان غير مندرج تحت قاعدة قانونية.

لماذا؟ لأن القاعدة القانونية ستجعله يخضع لمقتضيات هذا التحليل والتحريم والإيجاب والوضع بموجب دخوله في عموم المخاطبين بهذا التشريع ".

كذا قال عبد المجيد.

إن لهذا الكلام معنى وحيد، وهو أن الراية التي تعلو الدار ممثلة في القاعدة القانونية ستخرج المكلف حتماً عن داعية هواه، إلى التحليل والتحريم وهو كفر.

وهذا ربط بين الراية والمعاصي شبيه بربط النجدات السالف الذكر بين الكبائر وديار مخالفيهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير