تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا شك أن هذه صور مشبوهة حاصلة عن التأصيل الخارجي في الربط بين الراية والدار، وهذا الربط له صور متعددة، وهي إن تعددت إنما تصدر عن أصل واحد، هو السمة البارزة للخوارج، وهذه التخريجات المشبوهة متناثرة في كلام القدامى والمعاصرين، لكنها ليست عقدة البحث هنا، فالبحث كما قلنا في الكبيرة مجردة عن غيرها من المعاني، وهذه هي قضية البحث الذي دار في كتب المقالات، كما تقدم بين الكعبي وأبي الحسن والبغدادي.

وقد عارض بعض الناس القول في أن النجدات لا تكفر بالكبيرة بمسألتين:

الأولى: مسألة الإصرار عند النجدات.

الثانية: مسألة تكفير القعدة.

ونحن ـ إن شاء الله ـ نبين زيف هذا الاعتراض.

المسألة الأولى: الإصرار عند النجدات

نقل أبو الحسن عن النجدات في تكفير المصر قال: " وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة ثم أصر فهو مشرك، وإن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم " (15) أهـ.

فالكلام على ذلك من وجوه:

الأول أنهم لا يخصون التكفير بالإصرار على الصغيرة بل والكبيرة أيضاً، وهذا لا يحتاج إلى بيان، وقال ابن حزم: " وقالوا من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملاً صغيراً فأصر على ذلك فهو كافر مشرك، وكذلك أيضا في الكبائر، وأن من عمل من الكبائر غير مصر عليها فهو مسلم " (16).

إذن فقضية الكلام التفرقة بين الذنب عموماً صغيراً كان أو كبيراً، وبين الإصرار عليه الذي هو حال المذنب. فالإصرار ذنب برأسه.

والظاهر أن هذا ليس قول النجدات وحدهم، ومما يؤكد ذلك أن أبا الحسن قد نقله عن الإباضية، وهم من أخف فرق الخوارج في التكفير، ونظرتهم إلى مخالفيهم في الجملة أخف، قال أبو الحسن: " وقال بعضهم: ذلك ـ يعني جحد الله وإنكاره ـ شرك، وكل جحد بأي جهة كان فهو شرك وكفر، وقالوا: الإصرار على أي ذنب كان كفر " (17) أهـ.

وقضية التكفير بالإصرار لاسيما على الصغيرة مع النص على عدم التكفير بالكبيرة في سياق واحد، يعني أن النظر هنا إلى حال المذنب لا الذنب. وهذا يعني أنهم أرادوا بالإصرار الاستحلال والجحد.

ويقوي ذلك أننا إذا قلنا: إن الإصرار على الصغيرة ـ فضلاً عن الإصرار على الكبيرة ـ كبيرة أو في حكمها، فلماذا لم يلحقهم أبو الحسن الأشعري ـ وهو الخبير بمقالات الناس ـ بسائر فرق الخوارج في هذا الباب؟ ولماذا عارض بهم الكعبي وتبعه على ذلك أصحابه كما رأينا في كلام البغدادي؟

لا شك أن هذا مما يقوي حملهم الإصرار على معنى الاستحلال والجحد.

والسؤال الآن: هل في معاني الإصرار على الذنب ما يحتمل الاستحلال؟ نحتاج أن ننظر إلى معاني الإصرار عند أهل السنة أنفسهم:

فالإصرار في كلام العلماء يأتي على وجوه:

منها: معاودة الذنب ولو صغيراً من غير أن يتخلل المعاودة توبة ولا عزم. قال ابن الجوزي: " فأما الإصرار فقال الزجاج: الإقامة على الشيء ... وللمفسرين في المراد بالإصرار ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه مواقعة الذنب عند الاهتمام به. وهذا مذهب مجاهد.

الثاني: أنه الثبوت عليه من غير استغفار، وهذا مذهب قتادة وابن إسحاق.

والثالث: أنه ترك الاستغفار منه، وهذا مذهب السدي " (18) أهـ.

فعلى هذا الذي يستغفر بين الذنب والعود إليه ليس مصراً.

ومنها العزم على الذنب ولو كان صغيراً.

قال أبو حيان: " الإصرار: اعتزام الدوام على الأمر، وترك الإقلاع عنه، من صر الدنانير ربط عليها " (19) أهـ.

وقال الشوكاني: " وقد تقدم تفسير الإصرار، والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب " (20) أهـ.

ويجمع الوجهين السابقين ما نقله النووي عن أبي عمرو بن الصلاح قال: " المصر من تلبس من أضداد التوبة باسم العزم على المعاودة، أو باستدامة الفعل بحيث يدخل به ذنبه في حيز ما يطلق عليه الوصف بصيرورته كبيراً عظيماً، وليس لزمان ذلك وعدده حصر والله أعلم " (21) أهـ.

لكن التفرقة المهمة هنا بين معاني الإصرار هي من جهة الحامل عليه:

الأول: غلبة الشهوة.

الثاني: التهاون وعدم المبالاة.

الثالث: الاستهانة بالذنب والاحتقار له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير