تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما تأويل الشخص إذا ثبت إطلاقه بالذات المعينة، / والحقيقة المخصوصة. فهذا باطل في لغة العرب التي خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وإنما يوجد مثل هذا في عرف المنطقيين ونحوهم. إذا قالوا: هذا ينحصر نوعه في شخصه، أو لا ينحصر نوعه في شخصه، وقالوا: الجنس ينقسم إلى أنواعه، والنوع ينقسم إلى أشخاصه، ونحو ذلك مما هو لفظ الشخص فيه بإزاء لفظ الواحد بالعين

399

لكن معرفة اللغات والعرف الذي يخاطب بها كل مخاطب من أهم ما ينبغي / الاعتناء به في فهم كلام المتكلمين وتفسيره، وتأويله، ومعرفة المراد به. فإن اللغة الواحدة تشتمل على لغة أصلية، وعلى أنواع من الاصطلاحات الطارئة الخاصة، والعامة. فمن اعتاد المخاطبة ببعض تلك الاصطلاحات يعتقد أن ذلك الاصطلاح هو اصطلاح أهل اللغة نفسها. فيحمل عليه كلام أهلها فيقع في غلط عظيم. وقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء. فعلينا أن نعرف لغة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخاطب بها خصوصا، فإنها هي الطريق إلى معرفة كلامه، ومعناه، حتى أن بين لغة قريش وغيرهم فروقا من لم يعرفها فقد يغلط في ذلك.

402

لفظ (شخص) مفرد، جمعه أشخاص وشخوصـ وهذا يراد به الواحد بالعين ويراد به الجنس كسائر نظائرهـ مثل لفظ: إنسان وفرس، ونحو ذلك. وإرادة الجنس بهذا أظهر من إرادة الواحد بالعين؛ بدليل أنه إذا دخل عليه حرف النفي مثل (ما) في قولك: (ما عندي شخص، وما عندي إنسان) كان الظاهر من معناه أنه ناف للجنس، ويجوز أن يراد به نفي الواحد، فيقول: (ما عندي شخص، بل شخصان) إلا أن يدخل عليه ما يختص بالجنس. مثل (لا) النافية للجنس. ومثل (من) في قولك: (لا شخص عندي) أو (ما عندي من شخص) فهنا يجب إرادة الجنس.

404

وأيضا فكان [فكأن؟] هذا التأويل لو كان صحيحا، كان استعماله في لفظ الصورة حتى يقال: كل حقيقة معينة تسمى صورة من هذا الجنس، وحينئذ فيلزمهم تسمية كل شيء باسم كل شيء؛ إذ كل شيء له وحدة ويلزم ذاته. فإذا جاز لأجل ذلك أن يجعل اسمه اسما لمطلق الواحد حتى يقال لكل ذات معينة وحقيقة مخصوصة، ولا يكفي في اللزوم أنهم هم يستعملون ذلك، بل يلزم أنه يجوز لكل من سمع كلام غيره أن يحمل ما فيه من الأسماء على هذا كل شيء إذا قام عنده دليل على نفي إرادة المسمى، وهذا كله من أقبح السفسطة والقرمطة، وهو يجمع من الإشراك بالله في جواز تسميته بكل اسم للخلق، وجعل / كل شيء له شبيها ونظيرا من الإلحاد في أسمائه، وآياته ما لا يحصيه إلا الله. إذ هذا من أفسد قياس يكون في اللغة. فإنهم كما أفسدوا القياس في المعاني المعقولة، حتى قاسوا الله بكل موجود، وبكل معدوم، كما تقدم بيانه، كذلك أفسدوا القياس في الألفاظ المسموعة حتى لزمهم أن يجعلوا كل اسم لمسمى يصلح أن يكون لغيره، وأن يسمى الله تعالى بكل اسم من أسماء المخلوقات.

405

الوجه السادس: أن يقال: هب أن لفظ الشخص يلزمه أن يكون واحدا، فهل إطلاق المزوم على لازمه أمر مطرد؟ أم هو سائغ في بعض الأشياء؟ فإن جعل ذلك مطردا لزمه من المحال ما يضيق عنه هذا المجال، حتى يلزمه أن يسمي كل صفة لازمة للإنسان والفرس والشجرة والسماء والأرض باسم الموصوف، بل ويلزمه ذلك في صفات الله تعالى وأسمائه.

406

هذا وارد عليك في كل ما يسمى به الله من الأسماء والصفات. فإن مسماه في اللغة لا يكون إلا جسما، / أو عرضا، فعليك إذا أن تتأول جميع الأسماء والصفات، وأنت لا تقول بذلك، ولا يمكن القول به كما تقدم، فإن المتأول لا بد أن يفر من شيء إلى شيء. فإذا كان المحذور في الثاني كالمحذور في الأول امتنع ذلك. فتبين أن التأويل باطل قطعا.

407

إرادة المعنى المجازي باللفظ لا يسوغ إلا مع القرينة الصارفة عن معنى اللفظ الحقيقي إلى المجازي.

410

وقد قدمنا غير مرة أن الله لا يساوى في شيء من صفاته وأسمائه، بل ما كان من صفات الكمال فهو أكمل فيه، وما كان من سلب النقائص فهو أنزه منه، إذ له المثل الأعلى سبحانه وتعالى. فوصفه بأنه أغير من العباد، وأنه لا أغير منه، / كوصفه بأنه أرحم الراحمين، وأنه أرحم بعبده من الوالدة بولدها.

414

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير