تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأن من لغتهم أن ما يصلح للفاعل والمفعول لا يجوز فيه ترك الترتيب إلا إذا أمن اللبس، فلا يقولون: ضرب موسى عيسى، إلا إذا كان الأول هو الضارب، ويقول: أكل الكمثرى موسى، يقدمون المفعول لظهور المعنى بالرتبة، فقول القائل: في أحسن صورة، وفي حال حسنة، ونحو ذلك، لا يجوز تعليقه إلا بما هو الأقرب إليه، فإذا كان المفعول هو المتأخر هو الأقرب إليه تعلق به، وإذا أريد تعليقه بالفاعل أخر أو أعيد ذكره، مثل أن يقال: جئته وأنا في أحسن صورة، أو لم يأت الأمير إلا وأنا في أحسن صورة، ونحو ذلك. وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين قول القائل: دخلت على الأمير في أحسن هيئة، فإن دخوله على الأمير يشعر بأنه كان هو المتحول المتنقل والأمير يتجمل للقائه، ألا ترى أنه لو قال: رأيت الأمير في أحسن هيئة أو في أحسن صورةن لم يكن المفهوم منه إلا أن الأمير هو الذي في أحسن هيئة وأحسن صورة؟ فيعطى كل لفظ وتركيب حقه. لا يقاس هذا بهذا مع اختلاف تعيينها.

366

وهذا الذي أثبته الرازي من جواز رؤية الله في المنام / هو الحق الذي عليه عامة أهل الإثبات، وإن نازع فيه من نازع من الجهمية.

371

ومن المعلوم أن الحديث الواحد إذا رواه أحد بلفظ مختصر، ورواه جماعات فزادوا فيه ألفاظا تفسر ذلك الغلط وتبينه، كان ما رووه مفسرا مبينا لما رواه، هذا لو كانت رواية ابن عباس / محفوظة، فكيف وقد وقع فيها ما وقع؟

374

الوجه السادس: أن هؤلاء يعمدون إلى ألفاظ الحديث يقطعونها، ويفرقون بينها، ثم يتأولون كل قطعة بما يمكن وما لا يمكن.

ومن المعلوم أن الكلام المتصل بعضه ببعض يفسر بعضه بعضا. ويدل آخره على معنى أوله، وأوله لا يتم معناه إلا بآخره. كما يقال (الكلام بآخره) وهذا كثيرا ما يفعله هذا المؤسس وأمثاله. وهم في مثل ذلك كما يحكى عن بعض متأخرة الزنادقة / المنافقين، أنه قيل له: ألا تصلي؟ فقال: إن الله يقول {فويل للمصلين} فقيل له: ألا تتمها {الذين هم عن صلاتهم ساهون} فقال: العاقل يكتفي بكلمة.

وأنشد بعض هؤلاء:

ما قال ربك ويل للألى شربوا .............. بل قال ربك ويل للمصلينا

376

اليد إذا عبر بها عن النعمة كان معها من القرائن ما يبين ذلك كسائر ألفاظ المجاز، كما أنه إذا قال: أياديك علينا كثيرة، مع كون هذا في سياق المدح، وأن ليس في كون ذات يده فوقه شيء من المدح، وأنه ليس له أياد كثيرة. وغير ذلك مما يبين أن المخاطبين قصدوا أن نعمتك وإحسانك قد استولى علينا واستعلى علينا، ولهذا كان هذا المعنى ظاهرا في مثل هذا الخطاب، وإن سمي مجازا.

376

وإن كان عرضا فلا بد أن يكسب ذلك المحل صفة؛ لأن العرض إذا قام بمحل عاد حكمه إليه. فيقتضي اتصاف كتفيه بوصف لا يوجد لبقية الأعضاء.

382

وأما قوله: وقد روي بين كنفي فعليه وجوه:

أحدها: أن هذا تصحيف، وهو كذب محض إما عمدا، / وإما خطأ، فإن أهل العلم بالحديث متفقون على رواية بين كتفي (بالتاء)، وللجهمية من هذا الجنس أمثال يحرفون فيها ألفاظ النصوص تارة ومعانيها أخرى، كقول بعضهم (وكلم اللهَ موسى) وكرواية بعضهم (يُنَزِّل ربنا) وأمثال ذلك.

387

وما استشهد به من أنه يقال للملك الكبير ضع يدك على رأس فلان؛ أي اصرف عنايتك إليه، فهذا كلام باطل، لم يقل بمثل هذا المعنى أحدٌ يحتج به في اللغة، بل هذا من باب الافتراء المحض على اللغة العربية.

ويمكن أن يتكلم بمثل ذلك بعض المولدين، والأعاجم، لكن مثل كلام هؤلاء، لا يجوز أن يحمل عليه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يحمل كلامه على اللغة التي كانت يخاطب بها، وليس في تلك اللغة أن يقال: (ضع يدك على رأسه) بمعنى (اصرف عنايتك إليه).

388

وأيضا فقول القائل: (وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي) نص لا يحتمل التأويل، والتعبير بمثل هذا اللفظ عن مجرد الاعتناء أمر يعلم بطلانه بالضرورة من اللغة، وهو من غث كلام القرامطة والسوفسطائية.

390

إذا تبين أن هذا كان في المنام، فرؤية الله تعالى في المنام جائزة بلا نزاع بين أهل الإثبات، وإنما أنكرها طائفة من الجهمية، وكأنهم جعلوا ذلك باطلا، وإلا فما يمكنهم إنكار وقوع ذلك.

397

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير