تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما رأوا هذا الإمام عالم الآخرة تاركا لما هم عليه من تحصيل الحطام من الشبه الحرام رافضا الفضل المباح فضلا عن الحرام تحققوا أن أحواله تفضح أحوالهم وتوضح خفي أفعالهم وأخذتهم الغيرة النفسانية على صفاتهم الشيطانية المباينة لصفاته الروحانية.

فحرصوا على الفتك به أين ما وجدوه ونسوا انهم ثعالب وهو أسد فحماه الله تعالى منهم بحراسته وصنع له غير مرة كما صنع لخاصته وحفظه مدة حياته وحماه ونشر له عند وفاته علما في الأقطار بما والاه.

الفهرس


الفصل السادس في ذكر بعض زهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعده

أما زهده في الدنيا ومتاعها فإن الله تعالى جعل ذلك له شعارا من صغره حدثني من أثق به عن شيخه الذي علمه القرآن المجيد قال: قال لي أبوه وهو صبي يعني الشيخ احب إليك أن توصيه وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القراءة والتلقين ادفع إليك كل شهر أربعين درهما. قال: ودفع إلي أربعين درهما، وقال أعطه إياها فإنه صغير وربما يفرح بها فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه وقل له لك في كل شهر مثلها. فامتنع من قبولها وقال: يا سيدي إني عاهدت الله تعالى أن لا آخذ على القرآن أجرا، ولم يأخذها. فرأيت إن هذا لا يقع من صبي إلا لما لله فيه من العناية.

قلت: وصدق شيخه فإن عناية الله هي التي أوصلته إلى ما وصل من كل خير من صغيره لا من كبر.

ولقد اتفق كل من رآه خصوصا من أطال ملازمته أنه ما رأى مثله في الزهد في الدنيا حتى لقد صار ذلك مشهورا بحيث قد استقر في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها بل لو سئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ من كان أزهد أهل هذا العصر وأكملهم في رفض فضول الدنيا وأحرصهم على طلب الآخرة لقال ما سمعت بمثل ابن تيمية رحمة الله عليه

وما اشتهر له ذلك إلا لمبالغته فيه مع تصحيح النية وإلا فمن رأينا من العلماء قنع من الدنيا بمثل ما قنع هو منها أو رضي بمثل حالته التي كان عليها لم يسمع انه رغب في زوجة حسناء ولا سرية حوراء ولا دار قوراء ولا مماليك جوار ولا بساتين ولا عقار ولا شد على دينار ولا درهم ولا رغب في دواب ولا نعم ولا ثياب ناعمة فاخرة ولا حشم ولا زاحم في طلب الرئاسات ولا رئي ساعيا في تحصيل المباحان مع أن الملوك والأمراء والتجار والكبراء كانوا طوع أمره خاضعين لقوله وفعله وادين أن يتقربوا إلى قلبه مهما أمكنهم مظهرين لإجلاله أو أن يؤهل كلا منهم في بذل ماله.

فأين حاله هذه من أحوال بعض المنتسبين إلى العلم وليسوا من أهله ممن قد أغراه الشيطان بالوقيعة فيه بقوله وفعله أترى ما نظروا ببصائرهم إلى صفاتهم وصفاته وسماتهم وسماته وتحاسدهم في طلب الدنيا وفراغه عنها وتحاشدهم في الاستكثار منها ومبالغته في الهرب منها وخدمتهم الأمراء واختلافهم إلى أبوابهم وذل الأمراء بين يديه وعدم اكتراثه بكبرائهم وأترابهم ومداجاتهم وإظهار تعبداتهم وصدعه إياهم بالحق وقوة جأشه في محاورتهم بلى والله، ولكن قتلتهم ألحالقه، حالقة الدين لا حالقة الشعر، وغطى على أحلامهم حب الدنيا السارقة سارقة العقل لا سارقه البدن حتى أصبحوا قاطعين من يأتيهم في طلبها واصلين من وأصلهم في جلبها.

الفهرس

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير