تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حدثني الشيخ الصالح العارف زين الدين علي الو اسطي ما معناه انه أقام بحضرة الشيخ مدة طويلة قال فكان قوتنا في غالبها انه كان في بكرة النهار يأتيني ومعه قرص قدره نصف رطل خبزا بالعراقي فيكسره بيده لقما ونأكل منه أنا وهو جميعا ثم يرفع يده قبلي ولا يرفع باقي القرص من بين يدي حتى اشبع بحيث أني لا أحتاج إلي الطعام إلى الليل وكنت أرى ذلك من بركة الشيخ ثم يبقى إلي بعد العشاء الآخرة حتى يفرغ من جميع عوائده التي يفيد الناس بها في كل يوم من أصناف القرب فيؤتي بعشائنا فيأكل هو معي لقيمات ثم يؤثرني بالباقي وكنت أسأله ان يزيد على أكله فلا يفعل حتى إني كنت في نفسي أتوجع له من قلة أكله

وكان هذا دأبنا في غالب مدة إقامتي عنده وما رأيت نفسي أغني منها في تلك المدة ولا رأيتني أفقر هما مني فيها.

وحكى غير واحد ما اشتهر عنه من كثرة الإيثار وتفقد المحتاجين والغرباء ورقيقي الحال من الفقهاء والقراء واجتهاده في مصالحهم وصلاتهم ومساعدته لهم بل ولكل أحد من العامة والخاصة ممن يمكنه فعل الخير معه وإسداء المعروف إليه بقوله وفعله ووجهه وجاهه.

وأما تواضعه فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك كان يتواضع للكبير والصغير والجليل والحقير والغنى الصالح والفقير وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء حتى أنه ربما خدمه بنفسه وأعانه بحمل حاجته جبرا لقلبه وتقربا بذلك إلي ربه.

وكان لا يسأم ممن يستفتيه أو يسأله بل يقبل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه كبيرا كان أو صغيرا رجلا أو امرأة حرا أو عبدا عالما أو عاميا حاضرا أو باديا ولا يجبهه ولا يحرجه ولا ينفره بكلام يوحشه بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط.

وكان يلزم التواضع في حضوره من الناس ومغيبه عنهم في قيامه وقعوده ومشيه ومجلسه ومجلس غيره. ولقد بالغ معي في حال إقامتي بحضرته في التواضع والإكرام حتى إنه لا يذكرني باسمي بل يلقبني بأحسن الألقاب ويظهر لي خصوصا بين أصحابي من الإكرام والتبجيل والإدناء منه بحيث لا يتركني اجلس إلا إلى جانبه قصيرا كان مجلسه أو طويلا خاصا أو عاما ولازمني في حال قراءتي صحيح البخاري وكان قصدي قراءته على رواية منفردا لاستصغاري نفسي عن القراءة هناك بمحضر من الناس ولقصدي تعجيل فراغي منه انتهازا للفرصة وخوفا من فوات ذلك الشيخ الراوي لكونه تفرد بروايته سماعا على أصحاب أبى الوقت السجزي.

فلما سمع الشيخ بذلك ألزمني قراءته بمجمع كثير من الناس رجالا ونساء وصبيانا وقال ما ينبغي إلا على صفة يكون نفعها متعديا إلى المسلمين فتجرد لي بحيث حصل لي مرادي وفوقه من تحصيل قراءتي له في عشرين مجلسا متوالية لم يتخللها سوى الجمعة ولازمني فيها وحضر القراءة كلها يضبطها بنسخة كانت بيده هي أصل ابن ناصر الحافظ يعارض بها نسخة القراءة وكانت اصل الشيخ المسمى.

وأظهر لي من حسن الأخلاق والمبالغة في التواضع بحيث أنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءة يحمل هو بنفسه النسخة ولا يدع أحدا منا يحملها عنه وكنت أعتذر إليه من ذلك خوفا من سوء الأدب فيقول لو حملته على رأسي لكان ينبغي، ألا احمل ما فيه كلام رسول الله؟

وكان يجلس تحت الكرسي ويدع صدر المجالس حتى إني لأستحي من مجلسه هناك وأعجب من شدة تواضعه ومبالغته في إكرامي بما لا استحق ورفعي عليه في المجلس ولولا قراءتي حديث رسول الله وعظم حرمتها لما كان ينبغي لي ذلك.

وكان هذا حاله في التواضع والتنازل والإكرام لكل من يرد عليه أو يصحبه أو يلقاه حتى أن كل من لقيه يحكي عنه من المبالغة في التواضع نحوا مما حكيته وأكثر من ذلك فسبحان من وفقه وأعطاه وأجراه على خلال الخير وحباه.

الفهرس


الفصل الثامن في هيئته ولباسه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير