تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان رضي الله عنه متوسطا في لباسه وهيئته لا يلبس فاخر الثياب بحيث يرمق ويمد النظر إليه ولا أطمارا ولا غليظة تشهر حال لا بسها ويميز من عامة الناس بصفة خاصة يراه الناس فيها من عالم وعابد بل كان لباسه وهيئته كغالب الناس ومتوسطهم ولم يكن يلزم نوعا واحدا من اللباس فلا يلبس غيره بل كان يلبس ما اتفق وحصل ويأكل ما حضر وكانت بذاذة الإيمان عليه ظاهرة لا يرى متصنعا في عمامة ولا لباس ولا مشية ولا قيام ولا جلوس ولا يتهيأ لأحد يلقاه ولا لمن يرد عليه من بلد.

ومن العجب أنى كنت قد رايته قبل لقيه بمدة فيما يرى النائم ونحن جلوس نأكل طعاما على صفة معينة فحال لقيتي له ودخولي عليه وجدته يأكل مثل ذلك الطعام على نحو من الصفة التي رأيت فأجلسني وأكلنا جميعا كما رأيت في المنام.

وأخبرني غير واحد أنه ما رآه ولا سمع أنه طلب طعاما قط ولا غداء ولا عشاء ولو بقي مهما بقي لشدة اشتغاله بما هو فيه من العلم والعمل بل كان يؤتي بالطعام وربما يترك عنده زمانا حتى يلتفت إليه وإذا أكل أكل شيئا يسيرا، قال وما رأيناه يذكر شيئا من ملاذ الدنيا ونعيمها ولا كان يخوض في شيء من حديثها ولا يسأل عن شيء من معيشتها بل جعل همته وحديثه في طلب الآخرة وما يقرب إلي الله تعالى.

وهكذا كان في لباسه لم يسمع أنه أمر أن يتخذ له ثوب بعينه بل كان أهله يأتون بلباسه وقت علمهم باحتياجه إلي بدل ثيابه التي عليه وربما بقيت عليه مدة حتى تتسخ ولا يأمر بغسلها حتى يكون أهله هم الذين يسألونه ذلك.

وأخبر أخوه الذي كان ينظر في مصالحه الدنيوية أن هذا حاله في طعامه وشرابه ولباسه وما يحتاج إليه مما لا بد منه من أمور الدنيا، وما رأيت أحدا كان أشد تعظيما للشيخ من أخيه هذا أعني القائم بأوده وكان يجلس بحضرته كأن على رأسه الطير وكان يهابه كما يهاب سلطانا، وكنا نعجب منه في ذلك ونقول: من العرف والعادة أن أهل الرجل لا يحتشمونه كالأجانب بل يكون انبساطهم معه فضلا عن الأجنبي ونحن نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه، فيقول: إني أرى منه أشياء لا يراها غيري أوجبت علي أن أكون معه كما ترون. وكان يسأل عن ذلك فلا يذكر منه شيئا لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك.

الفهرس


الفصل التاسع في ذكر بعض كراماته وفراسته

أخبرني غير واحد من الثقات ببعض ما شاهده من كراماته وأنا أذكر بعضها على سبيل الاختصار وأبدأ من ذلك ببعض ما شاهدته.

فمنها اثنين جرى بيني وبين بعض الفضلاء منازعة في عدة مسائل وطال كلامنا فيها وجعلنا نقطع الكلام في كل مسألة بأن نرجع إلى الشيخ وما يرجحه من القول فيها

ثم أن الشيخ رضي الله عنه حضر فلما هممنا بسؤاله عن ذلك سبقنا هو وشرع يذكر لنا مسألة مسألة كما كنا فيه وجعل يذكر غالب ما أوردناه في كل مسأله ويذكر أقوال العلماء ثم يرجح منها ما يرجحه الدليل حتى أتى على آخر ما أردنا أن نسأله عنه وبين لنا ما قصدنا أن نستعلمه منه فبقيت أنا وصاحبي ومن حضرنا أولا مبهوتين متعجبين مما كاشفنا به وأظهره الله عليه مما كان في خواطرنا.

وكنت في خلال الأيام التي صحبته فيها إذا بحث مسأله يحضر لي إيراد فما يستتم خاطري به حتى يشرع فيورده ويذكر الجواب من عدة وجوه.

وحدثني الشيخ الصالح المقريء أحمد بن الحريمي أنه سافر إلى دمشق قال فاتفق أنى لما قدمتها لم يكن معي شئ من النفقة البتة وأنا لا اعرف أحدا من أهلها فجعلت أمشي في زقاق منها كالحائر فإذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعا فسلم وهش في وجهي ووضع في يدي صرة فيها دراهم صالحة وقال لي انفق هذه الآن وخلي خاطرك مما أنت فيه فإن الله لا يضيعك ثم رد على أثره كأنه ما جاء إلا من أجلي فدعوت له وفرحت بذلك، وقلت لبعض من رأيته من الناس من هذا الشيخ؟ فقال وكأنك لا تعرفه هذا ابن تيمية لي مدة طويلة لم أره اجتاز بهذا الدرب.

وكان جل قصدي من سفري إلى دمشق لقاءه فتحققت أن الله أظهره علي وعلى حالي فما احتجت بعدها إلى أحد مدة إقامتي بدمشق بل فتح الله علي من حيث لا احتسب واستدللت فيما بعد عليه وقصدت زيارته والسلام عليه فكان يكرمني ويسألني عن حالي فاحمد الله تعالى إليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير