تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يزل المبتدعون أهل الأهواء وآكلو الدنيا بالدين متعاضدين متناصرين في عدوانه باذلين وسعهم بالسعي في الفتك به متخرصين عليه بالكذب الصراح مختلقين عليه وناسبين إليه ما لم يقله ولم ينقله ولم يوجد له به خط ولا وجد له في تصنيف ولا فتوى ولا سمع منه في مجلس

أتراهم ما علموا أن الله سائلهم عن ذلك ومحاسبهم عليه أو ما سمعوا قول الله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

بلى والله ولكن غلب عليهم ما هم فيه من إيثار الدنيا على الآخرة والعمل للعاجلة دون الآجلة فلهذا حسدوه وابغضوه لكونه مباينهم ومخالفهم لبغضه ورفضه ما احبوا وطلبوا ومحبته ما باينوا ورفضوا، ولما علم الله نياته ونياتهم أبى أن يظفرهم فيه بما راموا حتى أنه لم يحضر معه منهم أحد في عقد مجلس إلا وصنع الله له ونصره عليهم بما يظهره على لسانه من دحض حججهم الواهية وكشف مكيدتهم الداهية للخاصة والعامة.

الفهرس


الفصل الثاني عشر من ذكر قوته في مرضاة الله وصبره على الشدائد واحتماله إياها وثبوته على الحق إلى أن توفاه الله تعالى على ذلك صابرا محتسبا راضيا شاكرا

كان رضي الله عنه من أعظم أهل عصره قوة ومقاما وثبوتا على الحق وتقريرا لتحقيق توحيد الحق لا يصده عن ذلك لوم لائم ولا قول قائل ولا يرجع عنه لحجة محتج بل كان إذا وضح له الحق يعض عليه بالنواجذ ولا يلتفت إلى مباين معاند فاتفق غالب الناس على معاداته وجعل من عاداه قد تستروا باسم العلماء والزمرة الفاخرة وهم أبلغ الناس في الإقبال على الدنيا والإعراض عن الآخرة.

وسبب عدواتهم له أن مقصودهم الأكبر طلب الجاه والرئاسة وإقبال الخلق ورأوه قد رقاه الله إلى ذروة السنام من ذلك بما أوقع له في قلوب الخاصة والعامة من المواهب التي منحه بها وهم عنها بمعزل فنصبوا عداوته وامتلأت قلوبهم بمحاسدته وأرادوا ستر ذلك عن الناس حتى لا يفطن بهم فعمدوا إلى اختلاق الباطل والبهتان عليه والوقوع فيه خصوصا عند الأمراء والحكام وإظهارهم الإنكار عليه ما يفتي به من الحلال والحرام فشققوا قلوب الطغام بما إجترحوه من زور الكلام ونسوا ان لكل قول مقاما أي مقام بين يدي أحكم الحكام يسأله هل قلته بحق أو بذام فيجازي المحق دار السلام والمبطل دار الانتقام. فبعضهم صبا إلى أقوالهم تقليدا وصار في حق هذا الإمام جبارا عنيدا أحس بذلك من العامة قوم قد أصبحوا للحكام عبيدا وتصوروا أن أخذهم بزمام حصول المال يكون شديدا فأصبحوا وهم لهم مصدقين وفي طاعتهم مستبقين.

فاجتمع من هذا التركيب العتديد بحيث عاداه اكثر السادات والعبيد كل بحسب غرضه الفاسد.

وهو مع ذلك كلما رأى تحاشدهم في مباينته وتعاضدهم في مناقضته لا يزداد إلا للحق انتصارا ولكثرة حججه وبراهينه إلا إظهارا.

ولقد سجن أزمانا وأعصارا وسنين وشهورا ولم يولهم دبره فرارا ولقد قصد أعداؤه الفتك به مرارا وأوسعوا حيلهم عليه إعلانا وإسرارا فجعل الله حفظه منهم له شعارا ودثارا ولقد ظنوا أن في حبسه مشينة فجعله الله له فضيلة وزينة وظهر له يوم موته ما لو رآه واده أقر به عينيه فإن الله تعالى لعلمه بقرب اجله ألبسه الفراغ عن الخلق للقدوم على الحق اجمل حلله كونه حبس على غير جريرة ولا جريمة بل على قوة في الحق وعزيمة.

هذا مع ما نشر الله له من علومه في الآفاق وبهر بفنونه البصائر والأحداق وملأ بمحاسن مؤلفاته الصحف والأوراق كبتا ورغما للأعداء أهل البدع المضلة والأهواء وصنعا عظيمة من رب السماء لعوائده لخاصة الأولياء أهل المحبة والولاء.

الفهرس

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير