تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا امر قد اشتهر وظهر فإنه رضي الله عنه ليس له مصنف ولا نص في مسألة ولا فتوى إلا وقد اختار فيه ما رجحه الدليل النقلي والعقلي على غيره وتحرى قول الحق المحض فبرهن عليه بالبراهين القاطعة الواضحة الظاهرة بحيث إذا سمع ذلك ذو الفطرة السليمة يثلج قلبه بها ويجزم بأنها الحق المبين وتراه في جميع مؤلفاته إذا صح الحديث عنده يأخذ به ويعمل بمقتضاه ويقدمه على قول كل قائل من عالم ومجتهد

وإذا نظر المنصف اليه بعين العدل يراه واقفا مع الكتاب والسنة لا يميله عنهما قول أحد كائنا من كان ولا يراقب في الاخذ بعلومهما أحدا ولا يخاف في ذلك اميرا ولا سلطانا ولا سوطا ولا سيفا ولا يرجع عنهما لقول أحد وهو متمسك بالعروة الوثقى واليد الطولى وعامل بقوله تعالى فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن

تأويلا وبقوله تعالى وما اختلفتم فيه من شئ فحكمة إلى الله.

وما سمعنا انه اشتهر عن أحد منذ دهر طويل ما أشتهر عنه من كثرة متابعته للكتاب والسنة والإمعان في تتبع معانيهما والعمل بمقتضاهما ولهذا لا يرى في مسألة اقوالا للعلماء إلا وقد أفتى بأبلغها موافقة للكتاب والسنة وتحرى الأخذ بأقومها من جهة المنقول والمعقول

ولما من الله عليه بذلك جعله حجة في عصره لأهله حتى إن أهل البلد البعيد عنه كانوا يرسلون إليه بالاستفتاء عن وقائعهم ويعولون عليه في كشف ما التبس عليهم حكمه فيشفى غلتهم بأجوبته المسددة ويبرهن على الحق من أقوال العلماء المقيدة حتى إذا وقف عليها كل محق ذو بصيرة وتقوى ممن قد وفق لترك الهوى أذعن بقبولها وبان له حق مدلولها وإن سمع عن أحد من أهل وقته مخالفته في حقه المشهور يكون ممن قد ظهر عليه للخاصة وللعامة فعل الشرور والاشتغال بترهات الغرور ومن أراد تحقيق ما ذكرته فليمعن النظر ببصيرته فإنه حينئذ لا يرى عالما من أي أهل بلد شاء موافقا لهذا الإمام معترفا بما منحه الله تعالى من صنوف الالهام مثنيا عليه في كل محفل ومقام إلا وراءه من

اتبع علماء بلده للكتاب والسنة وأشغلهم بطلب الآخرة وأرغبهم فيها وابلغهم في الإعراض عنها وأهملهم لها ولا يرى عالما مخالفا له منحرفا عنه ملتبسا بالشحناء له إلا وهو من أكبرهم نهمة في جمع الدنيا وأوسعهم حيلا في تحصيلها وأكثرهم رياء وأطلبهم سمعة وأشهرهم عند ذي اللب أحوالا ردية وأشدهم على ذوي الحكم والظلم دهاء ومكرا وابسطهم في الكذب لسانا

وإن نظر إلى محبيه ومبغضيه من العوام رآهم كما وصفت من اختلاف القبيلين الاولين ولقد أمعنت فكري ونظري فيما ذكرته فرأيته كما وصفته لا والله ما أتحرج في أحد منهما ومن ارتاب في ذلك فليعتبر هو بنفسه فإنه يراه كذلك إن أزاح عنه غطاء الهوى وما كان ذلك كذلك إلا لما علم الله سبحانه من حسن طوية هذا الإمام وإخلاص قصده وبذل وسعه في طلب مرضاة ربه ومتابعة سنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.

الفهرس


الفصل الرابع عشر في ذكر وفاته وكثرة من صلى عليه وشيعه

أخبرني غير واحد ممن كان حاضرا بدمشق حين وفاته رضي الله عنه

قالوا إن الشيخ قدس الله روحه مرض أياما يسيرة وكان إذ ذاك الكاتب شمس الدين الوزير بدمشق المحروسة فلما علم بمرضه استأذن في الدخول عليه لعيادته فأذن الشيخ له في ذلك فلما جلس عنده اخذ يعتذر له عن نفسه ويلتمس منه أن يحله مما عساه أن يكون قد وقع منه في حقه من تقصيرأو غيره، فأجابه الشيخ رضي الله عنه بأني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق. وقال ما معناه إني قد أحللت السلطان الملك الناصر من حبسه إياي لكونه فعل ذلك مقلدا غيره معذورا ولم يفعله لحظ نفسه بل لما بلغه مما ظنه حقا من مبلغة والله يعلم انه بخلافه. وقد أحللت كل واحد مما كان بيني وبينه إلا من كان عدوا لله ورسوله.

قالوا ثم إن الشيخ رضي الله عنه بقي إلى ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة الحرام وتوفي إلى رحمة الله تعالى ورضوانه في بكرة ذلك اليوم وذلك من سنة ثمان وعشرين وسبع مئة وهو على حاله مجاهدا في ذات الله تعالى صابرا محتسبا لم يجبن ولم يهلع ولم يضعف ولم يتتعتع بل كان رضي الله عنه إلى حين وفاته مشتغلا بالله عن جميع ما سواه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير