تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تضمن هذا أموراً منها أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان , وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيماناً , ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم لم يسوموها تأويلاً , ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً , ولم يبدوا لشيء منها إبطالا ًولا ضربوا لها أمثالاً , ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها , ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها بل تلقوها بالقبول والتسليم , وقابلوها بالإيمان والتعظيم , وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً , وأجروها على سنن واحد , ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين , وأقروا ببعضها , وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه.

ثم إن هذا تناقض لما ذكرته ص 162: نؤمن بالمتشابه من الصفات كما وردت في الآيات والأحاديث ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى فهم يثبتون الوجه واليدين والأعين والاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .. إلخ وكل ذلك بمعان تليق بجلال الله وعظمته ويكلون إلى الله تعالى الإحاطة بحقيقة معانيها مع قطعهم بانتفاء المشابهة بين الله وبين مخلوقاته

وأما الجواب على الإشكال في نظرها التي ذكرته فعقيدة أهل السنة والجماعة إثبات عينين لله تعالى كما جاء في الحديث: إن ربكم ليس بأعور وإن الدجال أعور العين اليمنى. البخاري ومسلم

فالآية الأولى مفرد وهو العين أضافه الله إلى نفسه والمفرد إذا أضيف أفاد الجمع وأقل الجمع اثنان كما هو معروف في كلام العرب كما قال تعال: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} مع أنهما اثنتان , والجواب على الجمع بين آية الاستواء وبين آية القرب فالله ليس كمثله شيء ولا يقاس بخلقه سبحانه فهو على عرشه كما أخبر وهو قريب من عباده

كما أخبر لا تخفى عليه خافية.

4 - لما ذكرت منهج السلف وهو التسليم للنصوص وعدم الخوض في التأويل ومذهب الخلف وهو التأويل حاولت الجمع بينهما وأنه لاتناقض بين القولين ذكرت ص 164:وذهب آخرون على ترجيح مذهب الخلف لأنه أحكم وأحفظ لعقائد العوام من شبهة التشبيه والتجسيم ولما فيه من تقريب الوجود الإلهي للأفهام والحقيقة أن مذهب السلف في عصرهم كان هو الأفضل والأسلم والأوفق للإيمان الفطري المرتكز في كل من العقل والقلب أما مذهب الخلف في عصرهم فقد أصبح هو المصير الذي لابد منه بسبب نشوء المذاهب الفكرية واتساع حلقات البحث وفنون البلاغة وبسبب ظهور المشبهة والمجسمة والجهمية ..

قلت: لا وجه للمقارنة بين السلف وبين الخلف فالسلف كما ذكرت المصنفة ص 162: هم من كانوا من أهل العلم قبل نهاية القرن الثالث الهجري وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم الذين جاء وصف قرونهم بالخيرية.

وبين الذين أثنى الله عليهم وزكاهم ومدحهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... البخاري ومسلم

وبين جماعة من المتكلمين المبتدعين في دين الله والقائلين على الله بلا علم

قال شيخ الإسلام: ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم ...

فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.

فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر , وقد كذبوا على طريقة السلف , وضلوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

مجموع الفتاوى (5

9)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير