11 - في صفة الكلام قررت مذهب الأشاعرة كما في ص 180:صفة أزلية قائمة بذاته تعالى عبر عنها نظم ما أوحاه إلى رسله كالقرآن والتوراة والإنجيل وهي ليست بحرف ولا صوت منزهة عن التقدم والتأخر والإعراب والبناء ....
قلت: عقيدة أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى
أنه صفة ذاتية قديمة قائمة بذاته تعالى باعتبار نوع الكلام , وهي صفة فعل تتعلق بها مشيئة الله تعالى باعتبار أفراد الكلام؛ لأن الكلام الذي خاطب الله به نوحا عليه السلام في شأن ابنه {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} غير الكلام الذي خاطب به موسى عليه السلام {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}.
وهو غير الكلام الذي خاطب به عيسى عليه السلام {يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}
وهذا الكلام كله غير الكلام الذي خاطب الله به خاتم رسله وإمامهم محمدا عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج في شأن الصلاة: " لقد خففت على عبادي وأمضيت فريضتي".
البخاري (3207) ومسلم (164)
وهذا كله غير القرآن الذي أنزله عليه وختم به كتبه.
هذا المعنى , وهذا الفهم هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة , وهم الفرقة الناجية التي تمسكت بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعتقد.
وهذا يعنى أنهم يثبتون لله كلاماً حقيقياً يسمعه المخاطب , وأن هذا القرآن الذي نقرأه بألسنتنا , ونحفظه في صدورنا , ونكتبه في ألواحنا وكتبنا أنه كلام الله حقيقة لفظه ومعناه.
ولا يبحثون عن كيفية تكلمه تعالى به.
لأننا نؤمن به ولا نحيط به علما هذا هو موقف السلف من صفة الكلام بإيجاز لعلمهم بأن الوصف بالتكلم من أوصاف الكمال , وضده من أوصاف النقص , ولا يختلف العقلاء في ذلك , وكلنا نعلم أن معبود قوم موسى الذي اتخذوه من حليهم مما عيب عليه عدم الكلام بل يستدل بذلك على أنه ليس بإله إذ يقول الله تعالى: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يرو أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا}.
قال شيخ الإسلام في بيان سبب اضطراب الأشاعرة في كلام الله: وإنما اضطر ابن كلاب و الأشعري , ونحوهما إلى هذا الأصل: أنهم لما اعتقدوا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته لا فعل ولا تكلم , ولا غير ذلك , وقد تبين لهم فساد قول من يقول: (القرآن مخلوق) ولا يجعل لله تعالى كلاماً قائماً بنفسه بل يجعل كلامه ما خلقه في غيره , وعرفوا أن الكلام لا يكون مفعولاً منفصلاً عن المتكلم , ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه بل إذا خلق الله شيئاً من الصفات , والأفعال بمحل كان ذلك صفة لذلك المحل لا لله؛ فإذا خلق في محل الحركة كان ذلك المحل هو المتحرك بها , وكذلك إذا خلق فيه حياة كان ذلك المحل هي الحي بها , وكذلك إذا خلق علما أو قدرة كان ذلك المحل هو العالم القادر بها؛ فإذا خلق كلاماً في غيره كان ذلك المحل هو المتكلم به.
وهذا التقرير مما اتفق عليه القائلون بأن القرآن غير مخلوق من جميع الطوائف مثل أهل الحديث والسنة ومثل الكرامية والكلابية وغيرهم.
ولازم هذا أن من قال: (إن القرآن العربي مخلوق) أن لا يكون القرآن العربي كلام الله بل يكون كلاماً للمحل الذي خلق فيه , ومن قال: إن لفظ الكلام يقع بالاشتراك على هذا وهذا , تبطل حجته على المعتزلة؛ فإن أصل الحجة أنه إذا خلق كلاماً في محل؛ كان الكلام صفة لذلك المحل؛ فإذا كان القرآن العربي كلاماً مخلوقاً في محل كان ذلك المحل هو المتكلم به , ولم يكون كلام الله ولهذا قال من قال: (لا يسمى كلاماً إلا مجازاً) فرارا من أن يثبتوا كلاماً حقيقياً قائماً بغير المتكلم به؛ فلما عظم شناعة الناس على هذا القول , وكان تسمية هذا كلاماً حقيقة معلوماً بالاضطرار من اللغة أراد من ينصرهم أن يجعل لفظ الكلام مشتركاً؛ فأفسد الأصل الذي بنوا عليه قولهم.
وبإنكار هذا الأصل استطال عليهم من يقول بخلق القرآن من المعتزلة والشيعة والخوارج , ونحوهم؛ فإن هؤلاء لما ناظرهم من سلك طريقة ابن كلاب - ومضمونها: أن الله لا يقدر على الكلام ولا يتكلم بما شاء , ولا هو متكلم باختياره ومشيئته - طمع فيهم أولئك لأن جمهور الخلق يعلمون أن المتكلم يتكلم بمشيئته واختياره , وهو قادر على الكلام وهو يتكلم بما يشاء.
¥