لكن ليس من النظر بنور الله أن نفتحخ أبواب الرجم بالغيب لكل انسان مهما اجتهد في عبادته وتقواه , ليقول في دين الله كلاما لا برهان له إلا المعاناة الخاصة والكشف الذاتي ..
إن قسم السمعيات من ديننا الأمور التي لا تعرف إلا عن طريق المعصوم , فالصراط , والميزان وثواب القبر وعقابه , وشؤن الملا الأعلى , وبعض الوصاف الإلهية , كل أولئك لا ينفرد العقل بادراكه , ولا سبيل للبشر إليه بتوقيف من الشارع ..
فإذا جاء امرؤ فزعم أن حملة العرش الثمانية تحتهم ستة عشر ملكا ً , ثم اثنان وثلاثون ملكا ً .. وهكذا متواليات هندسية قلنا له: من أين جئت بهذا الكلام؟ ..
ومن حقنا أن نقول له هذا! .. بل اننا نجرم في حق ديننا إذا لم نقل له: من أين جئت بهذا الكلام؟.
فإنم لم يذكر آية من كتاب الله , ولا أحاديث مقبولة عن رسول الله وجب أن نمحو هذه الزيادات وأن نرفض تلك الاضافات.
والمقامات الكبرى التي شرحها الأستاذ محمد زكي إبراهيم , وتحدث فيها حديثه المدون في مجلة المسلم عن الملائكة والأقطاب وهي إقحام لجملة من المعلومات الدخيلة أي إسناد من كتاب أو سنة ..
وقد هدد من ينكرها بأنه " عند أهل الحق معوق السلوك , مؤخر عن الوصول , معرض للسلب والاستدارج"! ..
بل قال إنكارها "موطىء لما قد يكون به سوء الخاتمة والعياذ بالله , لأنه حكم على مجهول لا يقين عليه لغير العالم به فيسلم له"!! ..
ونقول دون تردد: هذا باطل , فقد انتعهى الوحي , ولا نسلم لبشر أن يزيد في حقائق الدين , بل إن الزيادة في هذا الباب لا تقل خطرا ً عن وضع الحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن حق المسلمين في المشارق والمغارب ان ينادوا: هذا وحي من عنمد الله فيقبل وهذا لغو عند الناس فيرفض.
ثم انه في باب السمعيات لا تقبل الروايات المعتلة ولا الأسانيد ولا المتون المختلفة , لقد ذكر السيوطي في كتابه الإتقان أن هناك ثلاثة أقوال في ألفاظ القرآن , انها من عند محمد (كذا) وإنها من عند جبريل! .. وإنها كالمعاني من عند الله ..
وايراد هذا الكلام ضرب من الجهل رفضه المسلمون اجمعون , فالقرآن ألفاظ ومعاني من عند الله , ولكن السيوطي حاطب ليل وجماع للحق والباطل دون تمحيص , ونحن لا نأخذ ديننا بهذه الطريقة البلهاء ..
وإنني أعجب: لماذا يريد بعض إخواننا أن يقرن التصوف بهذه المبتدعات والغرائب المنكورة؟! إن التصوف عند رجاله الأوائل طرق تربية نفسية صالحة , وتدريب على مراقبة الله ومشاهدتة فيما نفعل ونترك ..
ويمكن تسميته على الأخلاق الدينية, لأن تراثه المنتقى لا يخرج عن هذا الإطار وقد كان أبي رحمه الله صوفيا ً من أتباع الشيخ أبي خليل , فما عرفته إلا كادحا ً يتقي الله في رزقه , ويقرأ كتابه في دكانه ,ويعايش الناس على الأخوة السمحة, ولا يعرف شيئا ً بعد ذلك من هذه الخيالات.
أخشى إذا حرص صوفية العصر على التشبث بغير الكتاب والسنة أن يجنوا على التصوف جملة وتفصيلا , فيجتاح من أصله
ولهذه المناسبة نذكر ما لهجت به الألسنة أخيرا ً من تفسير الدكتور عبد الحليم محمود لأوائل سورة النجنم.
يقول الله تعالى واصفا الوحي النازل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
((عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9))) فمن هو شديد القوى الذي استوى بالأفق ثم اقترب من الرسول فعلمه ما تعلم؟ ..
في سورة التكوير يذكر هذا المعنى بأسلوب آخر ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20))) .. إلى أن قال (ولقد رآه بالأفق المبين) ..
وفي سورة الشعراء يصاغ هذا المعنى نفسه قالب آخر ((وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)))
وظاهر من هذه الآيات كلها أن الموصوف بالقوة البادى بالأفق , النازل على قلب الرسول الأمين هو ملك الوحى , جبريل لا غير ..
¥