تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا انتقلنا إلى مجال المناقشة والجواب على الاعتراض - السابق -، فنجد أن الشيخ الإمام رحمه الله قد اعتنى بهذا التقسيم، والتفريق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فقد قرر رحمه الله الفرق بينهما في أكثر من موضع، وبيّن أن مشركي العرب مقرّون بتوحيد الربوبية - كما سيأتي موضحاً بالنصوص القرآنية -، ولكنهم أنكروا توحيد العبادة، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم - (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنَّ هذا لشيء عجاب) (1).

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -:

(فإذا تحققت أنهم مقرّون بهذا، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحداً) (2).

فإقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وإن قصدهم الملائكة والأنبياء، والأولياء، يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم .. وهذا التوحيد هو معنى قولك لا إله الله) (3).

ويبين الشيخ الإمام الفرق بين التوحيدين فيقول:

(فإذا قيل لك ما الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؟ فقل: توحيد الربوبية فعل الرب مثل الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر، وإنبات النبات، وتدبير الأمور. وتوحيد الإلهية فعلك أيها العبد مثل: الدعاء، والرجاء، والخوف، والتوكل، والإنابة، والرغبة، والرهبة، والنذر، والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادة). (4)

ويوضح الشيخ رحمه الله اجتماع الربوبية والألوهية، وافتراقهما فيقول:

(اعلم أن الربوبية والألوهية يجتمعان، ويفترقان كما في قوله: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس) (1)، وكما يقال رب العالمين وإله المرسلين، وعند الإفراد يجتمعان كما في قول القائل: من ربك، مثاله الفقير والمسكين نوعان في قوله:

(إنما الصدقات للفقراء والمساكين) (2)، ونوع واحد في قوله صلى الله عليه وسلم: (افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم) (3)، إذا ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر: من ربك؟ معناه من إلهك، لأن الربوبية التي أقر بها المشركون ما يمتحن أحد بها وكذلك قوله: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) (4) وقوله: (قل أغير الله أبغي رباً) (5) وقوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) (6) فالربوبية في هذا هي الألوهية ليست قسيمة لها، كما تكون قسيمة لها عند الاقتران فينبغي التفطن لهذه المسألة) (7).

وفي هذه المقالة - السابقة - التي سطرها الشيخ الإمام جواب على كثير من الأدلة التي استدل بها أولئك الخصوم في إبطال هذا التقسيم، حين أظهر الشيخ وفصّل متى يجتمع توحيد الربوبية والألوهية، ومتى يفترفان مما أثبت صواب هذا التقسيم والتفريق، وأن نصوص القرآن والسنّة تثبته وتدل عليه.

ويرد صاحب (التوضيح) على من أدعى أن الألوهية هي القدرة على الاختراع فيذكر مقالته ثم يجيب عليها:

(معنى الألوهية أنها القدرة على اختراع الخلق والتدبير، فمن قال لا إله إلا الله واعتقد أنه لا يقدر على اختراع الخلق والتدبير إلا الله فلا شريك له في ذلك، كان ذلك هو معنى لا إله إلا الله.

ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرّين بهذا المعنى معترفين، فلم يقولوا أن العالم له خالقان، أو مدبران بل الخالق والمدبر واحد (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى تؤفكون) (1).

فهذا التوحيد من الواجب على العبيد، ولكن لا يحصل به التوحيد لإله كل العبيد، ولا يخلص بمجرده عن الشرك الذي هو أكبر الكبائر، ولا يغفره الله يوم تبلى السرائر، بل لابد أن يخلص الدين كله لله فلا يتأله بقلبه غير الله، ولا يعبد إياه مخلصاً له الدين) (2).

ويرد صاحب (التوضيح) على من زعم أن مشركي العرب يعتقدون النفع والضر لغير الله فيقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير