فعن عمر بن عبد العزيز-رحمه الله تعالى- أنه قال لسائله عن القدَر: " .... فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر!! وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلي هدى مستقيم ... " [رواه أبوداود برقم (4612) وهو صحيح مقطوع كما حكم عليه العلامة الألباني-رحمه الله-].
ولذا كان التابعون يحرصون أشد الحرص أن يرجعوا لصحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في تصحيح معتقدهم وسؤالهم عنها.
ففي أول حديثٍ من صحيح مسلم عن يحي بن يَعْمَر قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني, فانطلقت أنا وحُميد بن عبد الرحمن الحِميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله فسألناه عما يقول هؤلاء بالقدر, فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلاً المسجد ..... ).
وجاء عن شريك بن شهاب أنه قال: " كنت أتمنى أن أرى رجلاً من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يحدثني عن الخوارج قال: فلقيت أبا برزة –رضي الله عنه- فحدثه". [رواه أحمد في مسنده برقم (19804)].
وتنبه! لقولهم: أحداً من أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- نكرة ولم يخصصوا أحداً بعينه لما علموا من سلامة معتقد جميع أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم أجمعين.
وعن ابن الديلمي قال: أتيت أُبي بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر, فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي, قال: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم, ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم, ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر, وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطاك لم يكن ليصيبك, ولو مت على غير هذا لدخلت النار, قال ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال: مثل ذلك, قال ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك, قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك). [رواه أبو داود برقم (4699)].
سابعاً: شهادة علماء الإسلام بل إجماعهم على ذلك.
ولذا قال أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي-رحمه الله- محاججاً أهل الكلام: " أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت! ". [تلبيس إبليس ص83].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-حاكياً الإجماع على عدم وقوع الخلاف بين الصحابة في أمور الفقه العظيمة فضلاً عن العقائد!!
قال: "وهكذا الفقه إنما وقع فيه الخلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع, ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه, وأما الجليل فلا يتنازعون فيه. والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك ولم يتنازعوا في العقائد, ولا في الطريق إلى الله التي يصيبها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين". [مجموع الفتاوى (19/ 274)].
وأما ما استشكله البعض في وقوع بعض الخلاف في بعض المسائل مثل: رؤية النبي –صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء, فهي في الحقيقة ليست خلافاً في العقيدة وقد أجاب عن ذلك العلماء من بقولهم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: " وكذلك تنازع الصحابة في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء والمعراج , فهناك انفكاك في الجهة , فمن أثبت الرؤية أراد القلبية , ومن نفى أراد البصرية , والقولان متفقان". [منهاج السنة النبوية (6/ 328)]
ومن ذلك قاله الإمام ابن القيم - رحمه الله-: " وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي, في كتاب الرد له, إجماع الصحابة على أنه –صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة المعراج, وبعضهم استثنى ابن عباس –رضي الله عنهما- من ذلك, وشيخنا يقول: (أي ابن تيمية) ليس ذلك بخلاف في الحقيقة؛ فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه ". [اجتماع الجيوش الإسلامية ص48.]
¥