ثم هناك مشكلة أخرى يجب أن ننتبه إليها وهي الابتداء في تعليم التجويد بأحكام النون والتنوين، والمدود إلخ، وهذا أمر فيه مفاسد كبيرة وخطيرة، لأن الطالب في هذه الحالة يلقن الأحكام بدون معرفة أسبابها، فلا يعلم سبب الإدغام، أو سبب الإظهار، وهذا لا يتضح للطالب إلا بعد دراسة مخارج الحروف وصفاتها، وهذا الباب أهملناه وجعلناه آخر أبواب التجويد، وأصبح من نفل المسائل عند الكثير من المعلمين، وهذا من البلاء المبين. ولقد انتبه سيدنا ابن الجزري رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء إلى هذا الأمر وحذر من الوقوع فيه فقال رحمه الله تعالى في أول نظم المقدمة الجزرية:
إذ واجب عليهم محتم قبل الشروع أولاً أن يعلموا
مخارج الحروف والصفات ليلفظوا بأفصح اللغات
وأنبه وأحذر أئمة المساجد (فالإمام ضامن) ومن أوليات ذلك الضمان إقامة الصلاة لا تأدية الصلاة، ومن ضمان إقامتها قراءة الفاتحة، ولا تصح الفاتحة بدون صحة مخارج حروفها وهذا الأمر. فرض عين بالنسبة للإمام سواء من الناحية العملية أو العلمية ثم البلاء المبين في الأئمة العارفين بصحة هذه الأحكام لكنهم بكل أسف استغلوا جهل العوام وكثرتهم ليكون ذلك ساترًا لهم في الدنيا، فرفعوا عقولهم من الخدمة، واعتقد أنهم لو انتبهوا إلى خطورة هذا الأمر ومسئوليته سواء بالنسبة إلى الصلاة نفسها، أو إلى عبادتهم في أنفسهم، أو بالنسبة لتحملهم كافة النتائج المترتبة على صلاة كل من صلى خلفهم، لو اعتقد الإمام مدى هذه الخطورة، وعظيم المسئولية لاختلف الأمر تمامًا. وأحذر كل قارئ أنعم الله عليه بقراءة الفاتحة قراءة صحيحة وخاصة حرف الضاد من استمراره في الصلاة خلف كل إمام يلحن في الفاتحة، لأن ذلك سيؤدي حتمًا ولابد إلى العودة إلى الضاد المصرية الفاسدة، وصدق الله العظيم حيث يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وقوله عز وجل:
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)
وبكل أسف كم من راو عن أحكام الصلاة وأهميتها ولا يطبق من ذلك شيئًا!؟.
والحق ما قاله أنس رضيّ الله عنه:
(العلماء همتهم الرعاية، والسفهاء همتهم الرواية)
والآن ليسأل كل واحد منا نفسه:
هل اهتمامي بصلاتي رعاية أم رواية؟
ولله در القائل:
العلم مغرس كل فضل فاجتهد أن لا يفوتك فضل ذاك المغرس
واعلم بأن العلم ليس يناله من همه في مطعم أو ملبس
واحرص لتبلغ فيه حظاً وافرًا واهجر له طيب المنام وغلس
لتعز حتى إن حضرت بمجلس كرمت فيه وكنت صدر المجلس
إن الخلي من العلوم مقامه عند النعال له صموت الأخرس
كلمة أخيرة لابد منها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعلمُ أن ما سبق من كلامي فيه قسوة وشدة، وأنه يوجد أساليب أخرى كثيرة يستطيع الداعي من خلالها أن يقول ما يشاء.
ولكن الدافع إلى هذا الأسلوب هو حسم هذه القضية
وأن ينتبه ويفكر كل من أراد أن يكتب عن حرف الضاد (حبيبتي) ألف مرة ومرة قبل أن يبسط ورقة أو يمسك قلمًا أو حتى يتكلم عن هذا الموضوع، وأنه لن يخلو زمان أو مكان حتى قيام الساعة من محب للضاد مدافع عنها محبة واحتسابًا لا منفعة واكتسابًا
ورحم الله الشاطبي حيث يقول:
تخيرهم نقادهم كل بارع وليس على قرآنه متأكلا
وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء من عباده، ونعمة عظمى نحمدُ الله تبارك وتعالى أن خصنا بها والحمدُ لله رب العالمين وخير ختام هو ما أرشدنا إليه الرحمن حيث قال:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
واستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محب الضاد وخادمها
ثم محبكم
السيد عبد الفتاح السيد سلامة
السبت / 7 من ربيع أول 1426 هـ
16 من أبريل 2005 م
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
حديث من القلب إلى كل من يهمه الأمر
¥