من الثابت باعتراف الباحث وجود الظاء في النقوش اليمنية القديمة، وليس هي المهد الأصلي للغات السامية في القول الراجح. وعلى هذا تكون الظاء أصلية ثم انتقلت إلى صاد أو إلى طاء في هذه اللغات، لأنهم لا يستطيعون النطق بها.
ومما يؤيد ما قلناه ما ذكره الدكتور محمود فهمي حجازي من أن صوتي الضاد والظاء تحولا ليصيرا مع الظاء صوتاً واحداً هو الصاد في الحبشية، والعبرية، والآرامية، والآشورية البابلية وعلى هذا فالظاء ليست مستحدثة.
ويذهب بعض الباحثين من المستشرقين، مثل: بروكلمان، وسيجال " "، وبروشتاين إلى أن الضاد في السامية الأم كانت تنطق صوتاً مزدوجاً مكوناً من قاف وسين (قساد).
وحجتهم في ذلك أننا لو أخذنا كلمة شائعة في كل اللغات السامية وتشتمل على حرف الضاد، مثل (أرض) لوجدناها في العبرية (أرص) وفي البابلية الآشورية (أريستو) وبتفخيم السين أحياناً، وفي الحبشية (أرد) وفي الآرامية (أرعا) أو (أرقا) واستخلصوا من ذلك أنها لابد أن تكون صوتاً من أقصى الحنك الرخو عند منطقة اللهاة بدليل أنها تحولت إلى عين وإلى قاف في الآرامية يتبعه مباشرة صوت أسناني فكان هذان الصوتان هما عند أولئك القاف والسين وقد تأثروا في ذلك بنطق اليهود الإشكنازيين " " لحرف الصاد صوتاً مزدوجاً مكوناً من تاء وسين " ".
وهذا الكلام إذا ناقشناه فإننا نستطيع أن نقول الأتي:
أولاً: أنها نطقت في بعض اللغات صاداً أو سيناً، أو دالاً وهذه الأصوات من طرف اللسان، فإذا افترضوا أنها مركبة من قاف وسين فلم لا تكون مركبة من السين ومن الصاد، أو من السين ومن الدال وهي قريبة منها في المخرج؟
ثانيا: أن اليهود الإشكنازيين حين نطقوا الصاد صوتاً مزدوجاً نطقوه مكوناً من صوتين متقاربين في المخرج وفي الصفة، وإذا نظرنا إلى القاف والسين اللذين يمثلان الضاد نطقاً نجد القاف من أقصى الحنك اللين بينما نجد السين من طرف اللسان والسين مهموسة والقاف كانت قديماً مجهورة حسب وصف علماء العربية القدامى لها " " فكيف يستساغ تركيب صوت من صوتين متباعدين في المخرج وفي الصفة.
ويرجح الدكتور حسن ظاظا أن الضاد كانت عندهم صوتاً مركباً بشكل أخر هو: اعتماده على نقطة خروج لسانية من نوع الياء، مع تفخيم يصل الإطباق فيه مع الجهر إلى تحويل هذا المخرج إلى مزيج مع صوت حلقي " ".
ويستأنس لذلك بأن النبط والآراميين بعامة ينطقون مقابل هذه الضاد في لغتهم عيناً، بل لقد نطق العرب الضاد في بعض الكلمات بنطقهم الفصيح ثم تحولت عند الآراميين إلى عين، وجاء من جديد إلى العرب بنطقه الجديد " " وضرب مثلاً على ذلك بالبيعة. والضأن:
وبالنسبة للكلمة الأولى أوضح العلاقة التشبيهية بينها وبين البيضة، ولما كانت البيعة هي المعبد الصغير للنصارى واليهود، ولما كانت هذه المعابد قد انتشرت في مناطق من دنيا الساميين تفشت فيها الآرامية ودان أهلها بالمسيحية فقد نطقت البيضة عند هؤلاء بالعين الحلقية بيعة وعادت إلى العربية
وبالنسبة للكلمة الثانية وهي: الضأن فهي في العربية تعني جنس الغنم وتنطق في العبرية بالصاد، وفي الآرامية بالعين الحلقية (عانا) وقد عادت إلى العربية، مع تغيير طفيف. فقد صارت عانة بمعنى القطيع من الحمر الوحشية" ".
وهذا التصور غير مقبول لعدة أمور:
كيف يتصور أن تمزج الضاد من صوت أساني من نوع الياء مع تفخيم يصل الإطباق فيه مع الجهر إلى تحويل هذا المخرج إلى مزيج مع صوت حلقي، إذ أن الأصوات الممزوجة متباعدة: فشتان بين الحلق ومع الإطباق، واللسان مع الأسنّان.
هناك اختلاف بين البيعة والبيضة في الدلالة ووجود تشبيه ليس كافياً للاستدلال على أصل اللفظة كما في الكلمة الأولى. وبين الضأن والعانة اختلاف في المعنى: فالضأن خلاف الماعز من الغنم، والعانة: الأتان والقطيع من حمر الوحش " "
وإذا كان هناك اختلاف في الدلالة بين الضأن والعانة فالعلاقة الصوتية بعيدة أيضاً بين الضاد والعين في الكلمتين.
وإذا كان المحدثون يعدون تحول الضاد الموروثة عن اللغة السامية الأولى في اللغة الآرامية إلى قاف مرة وإلى عين أخرى ـ من أصعب التحولات الصوتية تفسيراً " " فكيف يستساغ هذا التركيب الذي ذكره الباحث
¥