وإذا انتقلنا إلى الضاد والظاء في لهجاتنا الحديثة فإن الضاد تنطق قريباً من الظاء في بعض الجهات في جمهورية مصر العربية في إقليم مريوط " ". وفي محافظة سيناء الشمالية " ". وفي العراق والمغرب " ". وفي الخليج والسعودية " ".
وقد لاحظ ذلك ابن الجزري في القرن التاسع الهجري، فقال: (فمنهم من يجعله ظاء مطلقاً، لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد عليها بالاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء، وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق) " ". وقد لاحظت نطق الضاد قريبة من الظاء في جنوب المملكة العربية السعودية من الطلاب في الجامعة أثناء التدريس، ومن أهالي المنطقة أثناء تجوالي بينهم. وتنطق الضاد كاللام المطبقة عند أهل حضرموت " ".
ويظهر أن الأندلسيين كانوا ينطقون الضاد مثل ذلك؛ ولذلك استبدلها الأسبان بالـ ( Id ) في الكلمات العربية المستعارة في لغتهم مثال ذلك أن كلمة القاضي صارت في الأسبانية dicdide " " .
وإذا كانت اللام من إحدى حافتي اللسان كالضاد، لكنها من الجانب الأيمن أمكن وهي مستطيلة مجهورة مثلها وفيها شئ من الرخاوة مثلها أيضاً فقد صارت هذه الضاد لاماً مطبقة عند أهل حضرموت وانتقال الضاد إلى اللام قديم عند العرب في قول منظور بن حبة الأسديّ:
لما رأى أن لادعة ولا شبع مال إلى أرطاة حقف فالطجع " ".
وإذا كان الشاعر من بني أسد فإنهم كانوا ينطقون الضاد لاماً فراراً من الجمع بين حرفين مطبقين، كما في الضاد والطاء هنا؛ لأن هذه اللام أقرب الحروف إلى الضاد؛ ولما كانت بينهما علاقة صوتية قوية فقد صارت اللام إلى الضاد أيضاً حيث يقول الأزهري:
(ربما أبدلوا اللام ضاداً كما أبدلوا الضاد لاما؛ قال بعضهم: الطراد واضطراد لطراد الخيل) " ".
وهذا يفسر أن التبادل بينهما حادث من قديم للعلاقة الصوتية القوية بينهما، وإذا كان بعض العرب يفر من الجمع بين مطبقين فبعض أخر منهم يميل إلى الجمع بين المطبقين؛ لأن اللسان حينئذ يعمل في منطقة واحدة وهم أكثر العرب وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم. يحدث العرب على اختلاف لهجاتهم فقد روى مجاهد عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إذا كان عند اضطراد الخيل وعند سل السيوف أجزأ الرجل أن تكون صلاته تكبيراً) " ". وأصل اضطراد بإظهار اللام، هكذا فسره ابن إسحاق " ".
وإن كان المعهود صوتياً تأثر اللام بالطاء وانقلابها إليها وصيرورتهما صوتاً واحداً يرتفع بهما اللسان ارتفاعة واحدة وعلى هذا أرى أن ذلك حدث في بيئة ضيقة.
وقد انتقلت الضاد إلى الصاد في لهجات منطقة ظفار كالمهرية والشحرية " "
وإذا كانت الضاد تتبادل مع الظاء أو مع اللام لوجود علاقة صوتية قوية بينهما وبين الظاء أو اللام. . فالعلاقة الصوتية بيتها وبين الصاد قوية أيضاً، مما يبيح الانتقال إلى هذه الصاد في منطقة ظفار، فالضاد من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس والصاد مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا" " ويتصفان بالإطباق والرخاوة، وهذه العلاقة الصوتية القوية أباحت الانتقال بينهما قديماً حيث وجدنا بني ضبة ينطقون الضاد صاداً، يقول ابن سيده: (الضئيل بالضاد الداهية ولغة بني ضبة الصئبل بالصاد والضاد أعرف) " ".
وانتقال الضاد إلى الصاد محصور اليوم في منطقة ضيقة من العالم العربي في اللهجتين المهرية والشحرية من ظفار، كما كان هذا النطق محصوراً في قبيلة بني ضبة قديماً، ومن ثم وجدنا ابن سيده يقول: والضاد أعرف.
ونجد الضاد في نطق الكثير من القراء في مصر وعند العوام فيها وبعض الأقطار الأخرى تنطق دالاً مطبقة، ونسمعه عند كثير من سكان الريف دالاً غير مطبقة حيث يقولون في ضرب (درب).
والضاد التي أصبحت قريبة من الظاء عند كثير من البدو في لهجاتنا الحديثة وغير البدو وهم لا ريب متأثرون بهم في الخليج والعراق وفي مصر يرى برجشتراسر الألماني أن هذا النطق (نشأ من نطقها العتيق بتغيير مخرجه من حافة اللسان إلى طرفه) " "، كما يرى أن نطق الضاد دالاً (نشأ من هذا النطق البدوي بإعماد طرف اللسان على الفك الأعلى بدل تقريبه فقط فصار الحرف بذلك في نطقه شديداً بعد أن كان رخواً) " ".
وعلى هذا. فنطق الضاد دالاً مفخمة كما نسمعه الآن
¥