ويكفي لبيان عقوبة شرب الخمر في الدنيا ما رواه مسلم عن جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «أَوَمُسْكِرٌ هُوَ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ».
ومن عقوبتها أن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة 0
ولا يصح التداوي بها قال ابن مسعود في المسكر: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ". ذكره البخاري.
وعن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث؛ يعني السم". رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي.
وأكتفي بما ذكرت عن الخمر غير مستقصيا لأحكامها 0
وهذا أوان الوقفة الثانية وهي بيان بعض المعاني حول الآيات من سورة الصافات0
يقول الله عزوجل في سورة الصافات
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ (47)}
ونوضح بعض معاني تلك الآية الشريفة غير معرجين إلا ما سواها من الآيات إلا بقدر الضرورة وقد جاء ذكر الخمر في عدة مواطن في القرآن
قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً, عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:5 - 6] , وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا, عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} [الإنسان:17 - 18]، وقال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ, لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:17 - 19] , وقال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15]، وقال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] إلى غير ذلك من الآيات.
مدخل لتفسير الآيات الثلاث:
المقصود من الخمر إنما هو الشدة المطربة، وهي الحالة البهجة التي يحصل بها السرور للنفس، وهذا حاصل في خمر الجنة، فأما إذهاب العقل، بحيث يبقى شاربها كالحيوان أو الجماد، فهذا نقص، إنما ينشأ من خمر الدنيا، فأما خمر الجنة فلا تحدث هذا، إنما يحصل عنها السرور والابتهاج قاله ابن كثير في النهاية 0
تفسير الآيات:
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ}: أي يتردد عليهم الولدان المستعدون لخدمتهموالمعنى يشربون ويتحادثون على الشراب قال الشاعر:
وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الكرام على المدام 0
{بِكَأْسٍ}: قال الضحاك بن مزاحم:كل كأس في القرآن فهو خمر، وقالالسدي: الكأس عند العرب: كل إناء فيه شراب، فإن لم يكن فيه شراب لم يكن كأسا، ولكنه يكون إناء. والكأس من الزجاج ما دام فيها شراب وإلا فهو قَدَح. وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو مجاز سائغٌ وأنشد:
وَكَأس شَرِبْتُ عَلَى لذَّةٍ ... وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا 0
{مِنْ مَعِينٍ}:المعين الجارية قال تعالى ذكره {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين ٍ} قال ابن عباس معين أي جار0
والمعين الخمر تجري كما يجري الماء على وجه الأرض من العيون قاله الزجاج 0وقيل الذي لا ينقطع، والمعنى:
يطوف الخدم عليهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة.
{بَيْضَاءَ}: ولما كان أول ما يختار في الشراب لونه ثم طعمه، قال واصفاً ما في الكأس من الخمر {بيضاء} أي مشرقة صافية هي في غاية اللطافة تتلألأ نوراً، قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن 0
¥