شَهِيدٌ} (المائدة 5
117).
فقوله {فلما توفيتني} تشير إلى تغيّر من الحالة الأولى وهي وجوده بينهم {ما دُمتُ فيهم}. فالتوفي هنا هو الرفع إلى السماء. ومحالٌُ أن يكون هو النوم، لأن معنى الآية أن عيسى عليه السلام كان شهيداً عليهم في حال وجوده معهم، فلما توفاه الله، لم يكن شهيدا عليهم بعد ذلك. وقد كان ينام النوم الطبيعي قبل التوفي، فلم يكن ذلك مانعا له من الشهادة عليهم. فدل هذا على أن المقصود بالوفاة هنا غير النوم. والكلام على النصارى قبل نزوله في آخر الزمان ثم موته، كما دلت الأحاديث المتواترة. فظهر أن المراد غير الموت كذلك. وقد دلت على هذا الآية الأخرى كذلك.
قال الله عز وجل: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... } (آل عمران 3
55). معنى ذلك: إني قابضك من الأرض، فرافعك إليّ. والتَّوَفِّي في اللغة: أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِياً تَامّاً، فهو بمعنى القبض والاستيفاء. يقال:"توفَّيت من فلان ما لي عليه"، بمعنى: قبضته واستوفيته. ومن ثَم استُعمل بمعنى الإماتة. لكن المقصود بالآية هو المعنى الأصلي، أي: قابضك من الأرض حيًّا إلى جواري، وآخذُك إلى ما عندي بغير موت، ورافعُك من بين المشركين وأهل الكفر بك.فليست هي وفاة الموت ولا وفاة النوم بل هي القبض من الدنيا واستيفاء الأجل الأول.
وذكر الرفع بعد ذكر التوفي هو من باب تعيين النوع، لا من باب التكرار. وهو كذلك توكيد على أن الرفع هو بالجسد والروح معاً. قال الرازي: "إن التوفي أخذ الشيء وافياً. ولما علم الله إن من الناس من يخطر بباله أن الذي رفعه الله هو روحه لا جسده ذكر هذا الكلام ليدل على أنه عليه الصلاة والسلام رفع بتمامه إلى السماء بروحه وبجسده".
وعلى هذا اتفقت أقوال السلف. وقد روي عن الحسن البصري من أكثر من وجه. واختاره الفراء وابن قتيبة وغيرهما من اللغويين، واختاره ابن جرير الطبري. قال ابن زيد: "متوفيك: قابضك". قال ابن جريج: "فرفعه إياه إِلَيْهِ توفيه إياه، وتطهيره من الذين كفروا".
أما تفسير الوفاة بالموت، فلم يصح عن أحد من السلف. وقد جاء في صحيفة الوالبي عن ابن عباس، وهذا إسنادٌ ضعيف. وقال به وهب بن منبه، وليس ممن يُعتد به لأن عامة علمه من الإسرائيليات. والعجيب هو قول ابن كثير: "وقال الأكثرون: المراد بالوفاة هاهنا: النوم". مع أن هذا لم يصح عن أحد من السلف. والإسناد إلى الحسن ضعيف.
وقال بعض السلف وأهل اللغة: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: إني رافعك إليَّ ومطهِّرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد ذلك. فتكون الفائدة في إعلامه بالتوفي تعريفه أن رفعَه إلى السماء لا يمنع من موته. ولا شك أن هذا جائزٌ لغةً وشرعاً، لكنه خلاف ظاهر الآية. والله أعلم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[16 - 05 - 09, 03:46 ص]ـ
6 - صلب اليهود واحدا من الناس و ادعوا أنه هو المسيح بن مريم عليه السلام ليشبهوا الأمر على الناس بعد أن نجى الله نبيه. و هذا التفسير هو ما ذهب إليه ابن حزم و غيره. و ذهب قريباً من هذا الاستنتاج: النصراني ملمن في كتابه "تاريخ الديانة النصرانية" حيث يقول: "إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن".
قال ابن حزم في الفصل في الملل و الأهواء و النحل (1
76): "إنما عنى بذلك تعالى أن أولئك الفسّاق الذين دبروا هذا الباطل وتواطئوا عليه أنهم كذبة، وهم شبّهوا على من قلّدهم وكذبوا عليهم. فأخبروهم أنهم صلبوه و قتلوه و هم كاذبون في ذلك. عالمون أنهم كذبة".
ثم يضرب ابن حزم مثالاً بحادثة حصلت معه شخصياً. حيث حضر هو و جمع غفير من الناس دفن المؤيد هشام بن الحكم المستنصر. فرأى هو و غيره شخصاً مكفناً في نعش. و صلى عليه ابن حزم مع الآلاف من الناس. لكن المؤيد ظهر بعد حوالي سبعة شهور حياً و بايعه الناس بعد ذلك على الخلافة.
و يضيف ابن حزم في شرح جملة {شبه لهم} قائلاً (1
77): "إنما هو إخبار عن الذين يقولون بتقليد أسلافهم من النصارى و اليهود: أنه عليه السلام قتل و صلب. فهؤلاء شبه لهم القول. أي أدخلوا في شبهة منه. و كان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت و شرَطهم المدعون لهم أنهم قتلوه و صلبوه و هم يعلمون أنه لم يكن ذلك. و إنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه و صلبوه في استتار و منع من حضور الناس. ثم أنزلوه و دفنوه تمويهاً على العامة الذين شبه لهم الخبر".
ملاحظة: استفدت كثيرا من بحث العطار حفظه الله.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[19 - 06 - 09, 04:41 م]ـ
جزاك الله خيراً، وبارك فيك
ـ[احمد صفوت سلام]ــــــــ[20 - 06 - 09, 04:39 ص]ـ
جزاك الله خيرا وغفر الله لك اخي محمد الامين
¥