- يقول صديق خان ملك بهوبال في حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة (1/ 113): قَالَ تَعَالَى {واستبقا الْبَاب} أَي تسابقا .. وَوجه تسابقهما أَن يُوسُف أَرَادَ الْفِرَار وَالْخُرُوج من الْبَاب وَامْرَأَة الْعَزِيز أَرَادَت أَن تسبقه إِلَيْهِ لتمنعه عَن الْفَتْح وَالْخُرُوج قَالَ السُّيُوطِيّ بَادر إِلَيْهِ يُوسُف للفرار وَهِي للتشبث بِهِ فَأَمْسَكت ثَوْبه .. {وقدت} أَي جذبت قَمِيصه {من دبر} من وَرَائه فانشق إِلَى أَسْفَله {وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب} أَي وجدا الْعَزِيز هُنَالك {قَالَت مَا جَزَاء من أَرَادَ بأهلك سوءا} من الزِّنَا وَنَحْوه وَقَالَت هَذِه الْمقَالة طلبا للحيلة وللستر على نَفسهَا فنسبت مَا كَانَ مِنْهَا إِلَى يُوسُف {إِلَّا أَن يسجن أَو عَذَاب أَلِيم} هُوَ الضَّرْب بالسياط وَالظَّاهِر أَنه مَا يصدق عَلَيْهِ الْعَذَاب الْأَلِيم من ضرب أَو غَيره وَفِي الْإِبْهَام زِيَادَة تهويل. اهـ
- هذا الموقف الخطير يصور لك أمراً في غاية الظهور ..
وهو أن يوسف أدرك ببرهان الله له، أن مكثه في مسرح الجريمة هو أكبر إدانة له.
وأن التشابك مع المرأة في مدافعة ومجاذبة أو ضرب هو دليل أكبر من المكوث ..
فكان التفكير السليم أن يحاول الهرب من كلتا الخدعتين .. فاستبقا الباب ..
هو يحاول الهرب لما قدمناه، وهي تحاول أن تبقيه غيظا من إبائه وكسر كبريائها ..
ويمكن أن يكون البرهان ما جاء في قول ابن عباس وابن إسحاق فيما ذكره ابن جرير وغيره أن البرهان هنا هو شيء أعلمهما عن دخول سيده إلى البيت، من صوت سمعوه أو خيال رأوه ..
ويساعد هذا التفسير أن كلمة ربه في السورة جاءت تحمل المعنيين: ربه أي خالقه وربه الذي أكرم مثواه ..
وكلمة برهان وردت في كتاب الله بمعنى دلالة الحجة، وهي إما دلالة عقلية أو نظرية، وهي تتماشى مع الرأيين في تفسير البرهان على ما سبق بيانه ..
أما باقي الأقوال التي تقول أنه رأى صورة أبيه أو آية من القرآن على الحائط وما شابه ذلك، فهو مما يستبعد لأننا لا نقول أن النبي في حاجة إلى معجزة حسية كي لا يفعل السوء والفحشاء ..
فكون البرهان دليل ظهور سيده قول لا ترده مجمل القصة ولا سياقها ..
ويتضح بهذا – إن صح - أن مبرر كل منهما للتسابق إلى الباب منطقي جداً ..
هو للخروج من مكان الجريمة، ولعدم التشابك معها، لأن فيهما إدانته الظاهرة ..
وهي تحاول إبقائه في حجرتها، وجذبه ليتشابك معها فيظهر هو المعتدي عليها وفي حجرتها، فتظهر هي بمظهر المعتدى عليها ..
ولكن الله ألهمه أن يوليها ظهره رافضا الدخول معها في تضارب وتجاذب ..
فتقع آية قد القميص التي أظهرها الله دلالة صريحة على براءته.
وفي تفسير اللباب لابن عادل الحنبلي (9/ 243):
قال ابن الخطيب:
وقال المُحققُونَ من المُفسِّرين، والمتكلِّمين: إنَّ يُوسفَ عليه الصلاة والسلام كان بَرِيئاً من العملِ البَاطلِ، والهَمّ المُحرَّم، وبه نقولُ، وعنه نذبُّ، والدلائل الدَّالةُ على وُجوبِ عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مذكورة مقرّرة ونزيد هاهنا وجوههاً:
الأول: أن الزِّنا من منكرات الكبائرِ، والخيانةٌ في معرض الأمانةِ أيضاً من منكرات الذُّنوبِ ..
وأيضاً: الصبيُّ إذا تربَّى في حجر الإنسان، وبقي مكفيَّ المؤنةِ، مصون العرضِ من أوَّلِ صباهُ إلى زمان شبابه، وكمال قوَّته، فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المفضل من منكرات الأعمال، وإذا ثبت هذا فنقول: إن هذه المعصية إذا نسبوها إلى يوسف عليه الصلاة والسلام كانت موصوفة بجميع الجهالات، ومثلُ هذه المعصية إذا نسيت إلى أفسقِ خلقِ الله، وأبعدهم من كلِّ حسنٍ، لاستنكف منه، فكيف يجوز إسنادهُ إلى الرَّسولِ المُؤيّد بالمعجزات الباهرة مع قوله تعالى {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء} وأيضاً فلا يليق بحكمة الله تعالى وذلك يدلُّ على أنَّ ماهيَّة السُّوء وماهية الفحشاء مصروفةٌ عنه، والمعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع السوء والفحشاء، وأيضاً فلا يليق برحمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية، ثم يمدحه، ويثني عليه بأعظم المدائح والأثنية عقيب ما حكى عنه ذلك الذَّنب العظيم، فإنَّ مثاله ما إذا حكى السلطان
¥